تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن نتائج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكل مجتزأ ودون التطرق الى الظروف والأسباب التي دفعت القيادة الروسية الى هذا القرار الصعب الذي حاولت تفادي الوصول إليه بالمفاوضات والطرق الديبلوماسية السياسية والعسكرية خلال السنوات الماضية.
إن من أوصل موسكو الى اتخاذ هذا القرار الصعب هو حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تجاهل كل الاتفاقيات السابقة التي تمنع عليه التمدد باتجاه الحدود الروسية ولدفعه بعض السياسيين والقوميين المتطرفين في أوكرانيا الى التخلي عن نهج التعاون وحسن الجوار مع روسيا الاتحادية الى العداء واستجلاب التهديدات الخارجية لأمنها القومي وخاصة دفعهم باتجاه تقديم طلب الى الناتو لانضمام أوكرانيا إليه، وهو ما تعتبره موسكو خطاً أحمر لا يمكن القبول بانتهاكه. كذلك الأمر فإن إصرار الولايات المتحدة على تحويل حلف الناتو الى أداة لتركيع الدول الأخرى وتوظيفه في استراتيجيتها العدوانية للحفاظ على هيمنتها على العالم، إضافة الى ارتهان الدول الأوروبية الأعضاء في هذا الحلف لتوجهاتها وتوريط أوكرانيا في ذلك كان سبباً رئيساً في دفع روسيا الى هذا الإجراء الاستباقي الضامن لأمنها القومي.
إن الدعم الذي تلقاه القوميون العنصريون الأوكرانيون الذين يهيمنون على السلطة في البلاد من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية خلال السنوات الأربع الأخيرة وإيهامهم بأن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يدعمون مواجهتهم مع روسيا أدى الى عدم التزام الرئيس الأوكراني وحكومته باتفاق مينسك وغيره، الأمر الذي أدى الى لجوء موسكو الى اتخاذ ما يلزم لحماية أمنها القومي وخاصة بعد قيام عدد من العواصم الأوروبية وواشنطن بتزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية كبيرة واستمر الاعتداء الأوكراني على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
إن تركيز الحكومات الغربية والإعلام الغربي على العملية الروسية وتجاهل أسبابها ومحاولة توظيف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدانة روسيا يعكس تهربهم من المسؤولية عن توريط أوكرانيا في هذه الحرب وعجزهم عن القيام بمساعدتها كما وعدوها في ظل التحذير الروسي الحاسم من تدخل أي جهة خارجية لعرقلة هذه العملية، وتندرج التصريحات الغربية عن وعود بعض الدول الأوروبية بإرسال معدات عسكرية وبشرية الى الجيش الأوكراني في إطار محاولات إطالة أمد الحرب وتأخير سقوط الحكومة الأوكرانية وتبرير تخليها عنها بسرد مواقف والتركيز على التزامات حلف الناتو التي تتعلق فقط بالدول المنضوية فيه. إن ادعاء الولايات المتحدة بخرق روسيا الاتحادية للقوانين الدولية في عمليتها العسكرية بأوكرانيا مثير للاستغراب والاستهجان في ظل قيامها بالتدخل في شؤون العديد من الدول وغزوها، متجاوزة كل القوانين والشرائع الدولية، ويعد غزوها للعراق ودعمها للإرهاب الدولي في سورية واحتلالها جزءاً من أراضيها وإقامة تحالف دولي خارج الأطر الدولية إضافة للتدخل العسكري في ليبيا واليمن أكثر أشكال الانتهاك الصارخ للقانون الدولي الذي لا تتذكره واشنطن إلا عندما لا يتوافق مع مصالحها.
إن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي جاءت كرد فعل احترازي لحماية الأمن القومي الروسي يجب أن تكون درساً للدول الغربية من أجل تغيير سياساتها العدوانية والتركيز على الأمن والسلام وأخذ مصالح الدول الأخرى بعين الاعتبار وعدم توريط الدول في حروب ونزاعات من أجل تحقيق مصالحها، ولكن حتى اليوم لا تشي المواقف الغربية السياسية والإعلامية من العملية الروسية باستفادتهم من هذا الدرس الروسي الذي وضعهم في حجمهم الحقيقي.
معاً على الطريق- احمد ضوا