يغريني حين أمشي في شوارع دمشق أو أي مدينة سورية أن أقرأ أسماء المحال تجارية أم غيرها …أتفحص لوحات الإعلان المعلقة المسماة(قارمة)..
هذا اسم جميل بحروف أجنبية وذاك عربي، ويدهشك عدد اللوحات التي لو جمعت معاً وصهرت بمعمل لشكلت ثروة معدنية هائلة ..
من تلك الشاخصات لفت انتباهي (قارمة) إعلانية لطبيب تقول: نحت أنف .. بدلاً من الاختصاص (أذن أنف حنجرة …الاستئذان من جودي في ضيعة ضايعة).
للحظات عادت بي الذاكرة إلى ما كنا نقرؤه من قصص كثيرة عن شغف العرب بإرسال أبنائهم إلى البوادي لتعلم مكارم الأخلاق والفروسية وتشرب الفصاحة، أي بنية الروح والجسد معاً.
ولا ننكر أن العرب القدماء أيضا كانوا مهووسين بمقاييس جمالية محددة تضاف إلى جمال الآداب…هذه جارية حسنة الشكل تجيد الغناء وتحفظ الشعر ..
وتلك ..بل انهم مارسوا عمليات التجميل حسب الإمكانات المتاحة حينها، وقد ظهرت نفثات ذلك في الشعر العربي القديم من الجاهلي إلى اليوم ..ضاع جزء من بنية الجمال الذي عني به العرب، وبقي النحت الذي يعمل على تكييف الجسد والعبث به حسب مواصفات (الموضة الجسدية) التي تنتشر ربما لسنة أو أكثر..
وغالباً ما تكون العمليات الأكثر كلفة عند الفنانات اللواتي يرفضن ملامح الزمن أبداً ..ولكن الحقيقة التي قالها الشاعر العربي القديم ذات يوم تبقى ماثلة: تدس إلى العطار سلعة أهلها.. وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟.
قد يصلحه ليوم لشهر لسنة وسنوات لكن الجسد في النهاية ليس أقوى من المعدن الذي كلما صوجته زاد ضعفه، ولا بد أن يرق حتى يتهرأ تماماً.
لكن الإنسان الذي يعبث بما خلقه الله عليه لا يعاب على ما هو مخلوق عليه من صفات جسدية ..وإذا كانت ثمة تشوهات يمكن أن تزال طبياً فهذا أمر طبيعي وضروري، ولكن التشوه الأكبر هو في نفوس بعضنا ما أحوجنا أن نعمل على ترميم وإزالة صدأ النفوس حتى تستقيم المعادلة ..
ولسنا مضطرين أن نقول لأمر ما جدع قصير أنفه ..
ولا أن نرى أقراص البندورة أو التفاح قد ملأت وجوه الحسناوات صناعة بمقاييس مختلفة لكنها تكاد تتشظى في هذا اللهيب ..
معاً على الطريق- بقلم أمين التحرير- ديب علي حسن