الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
لا يزال الحدث الأفغاني يستقطب العديد من ردود الفعل الدولية والتحذيرات من مخاطره وتداعياته السلبية على أمن المنطقة والعالم واستقرارهما.
فالأمريكيون لم يحققوا على مدى عشرين عاماً الهدف الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش وهو الانتصار على الإرهاب في أفغانستان، إذ يواصل الإرهابيون نشاطهم هناك بسبب الأخطاء العديدة التي ارتكبتها الولايات المتحدة بما في ذلك في سياستها حيال المنطقة.
هل يعني ذلك أن الأمريكيين عجزوا عن هزيمة إرهابيي تنظيم القاعدة وحركة طالبان الموجودين في أفغانستان أم إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يمثل اعترافاً سافراً من قبل واشنطن بانهيار استراتيجيتها لتثبيت وجودها العسكري والسياسي في كل مكان في العالم؟ أم محاولة لخلق ظروف مشروع هيمنة جديد في المنطقة خاصة بعد بروز الصين ومنظمة دول بريكس كقوة عالمية طموحة لها مشروعاتها الاقتصادية التنموية في المنطقة والعالم تسعى عبرها للقيام بدور عالمي جديد يناهض الدور الأمريكي؟.
وهنا نستحضر التأكيد الروسي بأن الموجة الجديدة من عدم الاستقرار في أفغانستان ترتبط بالمحاولات غير المسؤولة من جانب الولايات المتحدة لفرض سياساتها، وأن انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان بهذا الشكل الذي رأيناه أدى إلى ظهور أزمة جديدة، ولا يزال غامضاً بعد كيف سيؤثر كل هذا على الأمن الإقليمي والعالمي والذي يتقاطع مع رؤية مجموعة بريكس التي تدعو بشكل مضطرد لنشر السلام في أفغانستان الذي طال انتظاره وظل سكان هذا البلد يكافحون منذ عقود عديدة وبات لديهم الحق في تحديد شكل دولتهم بشكل مستقل.
كما أعربت دول مجموعة “بريكس” في اجتماعها الأخير في نيودلهي عن إدانتها الشديدة لكل أشكال الإرهاب ومظاهره، لافتة في هذا السياق إلى ضرورة إفشال محاولات المنظمات الإرهابية استخدام أراضي أفغانستان ملاذا للإرهاب وتنفيذ هجمات ضد دول أخرى،
وهو الموقف ذاته الذي أكده نائب أمين مجلس الأمن القومي الروسي دميتري مدفيديف بأن الولايات المتحدة ومن خلال انسحابها من أفغانستان أثبتت فشل سياستها في مكافحة الإرهاب قائلاً بأن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان أعطى دفعة لزيادة فعالية التنظيمات الإرهابية التي لا تزال تشكل كالسابق خطراً بالغاً على آسيا وإفريقيا وأوروبا والعالم وخصوصا منطقتنا.
ومهما يكن من أمر فإن الحدث الأفغاني يؤكد الفشل الذريع لمخطط أمريكا وعجز سياساتها، لكن لماذا ترفض الإدارة الأمريكية الاعتراف بالهزيمة؟ وخصوصاً أنها بدأت في استخدام صيغ للتغطية على خسائرها وهزائمها وانكساراتها الباهظة كما كانت تفعل من قبل في بقاع أخرى من العالم.
بطبيعة الحال لا يستبعد أن يكون الانسحاب الأميركي من أفغانستان واحتمال الانسحاب من أماكن أخرى في المنطقة تمويها على مخططات جديدة للمشروع الأمريكي الغربي الصهيوني في المنطقة والعالم، تسعى واشنطن عبرها للقيام بدور جديد تستخدمه لتحقيق أطماعها بعد أن فشلت في تحقيقها سابقا، وبهدف خلق ظروف جديدة تمكنها من ممارسة سياسة الهيمنة والاستمرار في إثارة الأزمات والمشكلات، وسيظل الحدث الأفغاني يثير الكثير من التساؤلات المهمة ويترك العديد من التداعيات الخطيرة والغامضة بشأن مستقبل المنطقة والعالم إلى أن تتضح الاستراتيجية الأميركية المقبلة.