الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
يقول «المعري» العظيم: «في كلِّ جيلٍ أقاويلٌ ملفّقةٌ، فهل تفرّدَ يوماً بالهدى جيلُ؟»….
دفعني لاستدعاء هذا القول، ما تُطالعنا به صفحاتُ التواصل الاجتماعيّ، من معلوماتٍ تكاد تتفوّق على صفحات التاريخ المكتوب، بمرّاتٍ عديدة.. معلوماتٌ، إن كان المتَّبعُ لها ذا ذائقةٍ ثقافيّة ورقيّة، لابدّ أن يصاب بالذهول، بسبب توالي الصدمات المعرفيّة التي يتلقّاها، وصُدّرت عبر الشبكةِ بعنايةِ الخبيثِ المخادع، الذي يريد أن يجمّل حدثاً هنا، أو يشوّه حدثاً هناك، وما بين الحدثين متّسعٌ يفوق المدى، على صفحاتِ التاريخ، ومنذ بداية التاريخ..
فإذا كان التاريخ مرتبطاً بانطلاقةِ الإنسان في الحياة، فقد تجاذبته الأهواءُ في العصرِ الواحد، منذ أن فكّر الإنسان بتدوين ما قام به، لنكتشف أن تلك الأهواء التي تَتْبعُ توجّهاً ما، في حقبةٍ زمنيّةٍ ما، متناقضة وفقاً للنزعاتِ التي تعتري كَتَبةَ تلك الحقبة.. وإذا كان حال الثقافة الورقيّة، يحتاج لقراءاتٍ متعدّدة، من وجهاتِ نظر مختلفة في رؤاها، فما هو الحال بالنسبة لهذا الفضاء المفتوح، عبر شبكة التواصل الاجتماعيّ؟…
ربّما يكون من الواجبِ علينا، أن نضيف مرجعاً جديداً، من مراجعِ التوثيق التاريخيّ، لثقافةِ شعبٍ ما، متمثّلاً بتلك الصفحات الإلكترونيّة، وعلى المثقف أن يتحمّل عبئاً آخر، غير العبءِ الورقيّ الذي نهل منه، ما استوجبت ثقافته التي حصّلها، بين رائحة لحاءِ الشّجر، وبين رائحةِ حبّة العفص، التي أنتجت حبراً، لا تمحهِ تجاعيد الزمان…
إذاً، ما الذي يجب أن نفعله كمثقفين، كي نقبض على عُرى الحقيقة الغائبة؟!.
إن مدحلة العصرِ الإلكترونيّ، تطحنُ تاريخنا الورقيّ.. هذا ما يشعر به جيلنا الذي ينظر إلى أبعد من واقعه فيرى، أجيالاً متلاحقةً تعيش على وجباتٍ ثقافيّة، تشبه الوجبات الغذائيّة السريعة، لأولئك المصدّرين لتلك الصفحات، المشوِّهة والمُفسدة لذاك العطر الذي شممناهُ يوماً، بين دفّتي كتابٍ، منحنا الأمل رغم الألم…
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء14-9-2021
رقم العدد :1064