مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها السادسة والسبعين، ركز أمينها العام أنطونيو غوتيريش على ضرورة تحقيق السلام، وإنهاء الحروب ووقف النزاعات الدولية، وجسر هوة الانقسامات الكبرى الحاصلة بين الدول، وتوحيد جهود المجتمع الدولي لمواجهة التحديات القائمة، وهذا الكلام يعكس بدون أدنى شك تطلعات الشعوب نحو مستقبل آمن تنتهي فيه النزاعات والحروب، وأحادية القطب، ولكن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه التطلعات المحقة والمشروعة، هو تفاقم نزعة الهيمنة التي تسيطر على العقلية الأميركية، والتي تعكسها سياسات البلطجة الدولية التي تمارسها الولايات المتحدة، الأمر الذي ما زال يهدد مستقبل العالم وأمنه واستقراره.
الرئيس الأميركي جو بايدن – ومن على منبر الأمم المتحدة- حاول تلميع صورة بلاده بكذبة أخرى ادعى فيها أن إدارته “تستهل حقبة جديدة من الدبلوماسية لا تعرف الكلل”، ولكنه سرعان ما استخدم لغة التهديد والوعيد لترهيب الشعوب بقوله: “نحن مستعدون لاستخدام القوة العسكرية”، قبل أن يزعم بأن استخدام مثل هذه “القوة” سيكون الأداة الأخيرة، فيما الواقع يؤكد خلاف ذلك، فهل العالم سيكون فعلاً بمأمن من هذه العقلية المتنمرة والمتسلطة؟، ومن طريقة التعاطي الأميركي مع الأزمات الدولية العاصفة بفعل السياسات المدمرة للبيت الأبيض؟، ربما الجواب يكمن في حقيقة أن الولايات المتحدة لا تريد الاعتراف بأن عصر هيمنتها الأحادية قد ولى، وهي ما زالت ترى من منظور سياساتها العدوانية أن تحقيق مصالحها الاستعمارية يمر عبر بوابة خلق المزيد من التوترات وإشعال الحروب والأزمات.
صون السلم والأمن الدوليين، واحترام القوانين الدولية والمواثيق الأممية، هي في صلب عمل الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها المتعددة، ولكن هل تمارس هذه المنظمات دورها في حفظ السلام العالمي؟، أم أن قراراتها مرتهنة للسياسات الأميركية والغربية؟، وهل هي بالفعل تشكل منصة للحوار والتفاهم بين الدول لإيجاد حلول للمشكلات والأزمات الدولية، أم أنها تحولت إلى منصة لاستهداف الدول الرافضة للنهج الأميركي والغربي؟، والجواب قد يأتي من سياسة ازدواجية المعايير التي تمارسها هذه الهيئات الدولية بفعل تأثرها بسياسة الهيمنة الأميركية، فهي ما زالت تغض الطرف عن الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة بحق الإنسانية، ولا تعير انتباهاً لسياسة الحصار والعقوبات الجائرة التي تفرضها أميركا وأتباعها الأوروبيين بحق الشعوب التي تتصدى للمشاريع الغربية الاستعمارية، فأين هي الأمم المتحدة إذاً من تطبيق القانون الدولي الذي يجرم استخدام القوة في العلاقات الدولية، ويؤكد على ضرورة احترام سيادة الدول وسلامة شعوبها؟.
كل ما تعاني منه البشرية اليوم، من حروب وصراعات، وحتى أمراض مستعصية، سببه سياسة الفوضى التي تنشرها الولايات المتحدة في كل مكان لمحاولة تثبيت هيمنتها الأحادية، فهي تنشر الإرهاب وتدعمه، ولا تترك دولة تسلم من تدخلاتها السافرة، وتنتهك كل المواثيق والقرارات الأممية، وتمارس أعمال السرقة والنهب لثروات الشعوب ومقدراتها، ليبقى الحل الوحيد لإرساء الأمن والسلام في العالم هو تعاضد الشعوب الحية ضد هذه السياسة المتغطرسة، وتخلي الدول السائرة بالركب الأميركي عن تبعيتها وارتهانها لتلك السياسة الهوجاء، وانضمامها للدول المحبة للسلام، والساعية لإيجاد عالم متعدد الأقطاب تسوده الحرية والعدالة والاحترام.
كلمة الموقع – ناصر منذر