الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
عُرِف دورها عبر التاريخ ولعبت دوراً هاماً في استنهاض وشحذ الهمم وإلهاب المشاعر وبث روح العنفوان في النفوس، وحفر العديد منها في عمق الوجدان ملامسة الروح وشغاف القلب، إنها الأغنية الوطنية التي احتلت مكانتها المتقدمة في العديد من المراحل، وعلى الرغم من العدد الكبير الذي انجِز منها إلا أن هناك أغنيات بعينها حملت في داخلها جذوة الحياة وشكّلت فيصلاً وعلامة فارقة ممتلكةً مقومات الاستمرار من جيل إلى آخر، فتكاملت فيها مختلف العناصر من كلمة ولحن وأداء، مقدمة معاني خالدة فيها الكثير من السمو والرفعة والتجدد، تمجد البطولات والتضحيات وتتغنى بالانتصارات وبحب الوطن، وتؤكد على أهمية المقاومة والصمود والنضال في وجه المستعمر، وفي الوقت نفسه جاءت مواكبة للأحداث والمناسبات الوطنية.
وفي نظرة سريعة إلى المراحل التاريخية التي مرت بها منذ الاحتلال الفرنسي ومن ثم الجلاء وحتى يومنا الحالي نلتقط عدداً من تلك الأغنيات التي تكرست وبقيت حاضرة في الذاكرة الجمعية، منها الأهازيج التي صدح بها المناضلون والثوار ضد المحتل الفرنسي ومنها (الله الله يا مفرج المصايب)، وما قدمه سلامة الأغواني في تلك الفترة من مونولوجات، إضافة إلى أغنية (يا عروس المجد) شعر “عمر أبو ريشة” وألحان فيلمون وهبه وغناء سلوى مدحت (1947)، وأغنية (جلونا الفاتحين) للشاعر بدوي الجبل وألحان محمد محسن وغناء سعاد محمد، وضمن هذا الإطار لا يمكن إغفال أغنية (زينوا المرجة) التي أتت بعد إعدام العثمانيين لنخبة من الوطنيين في السادس من أيار 1916، ولكن هناك روايات تقول أنها قيلت بعد هذا التاريخ بسنوات ومنهم من يعيدها إلى عام 1926، وهناك أيضاً نشيد (موطني) الذي كتبه الشاعر إبراهيم طوقان نهاية عشرينيات القرن الماضي ولحنه الأخوان فليفل.
تنوعت الموسيقا المستخدمة في تلحين الأغنيات الوطنية، فكما لجأ عدد من الملحنين إلى الموسيقا الحماسية وموسيقا (المارش العسكري)، اتجه آخرون إلى موسيقا فيها الكثير من الرومانسية وأحياناً الطرب، والهدف بكلتا الحالتين ربط اللحن مع الكلمة ليعطيها دفعاً للأمام ولتصل بتأثير أكبر إلى الناس، ففي أغنية (من قاسيون أطل يا وطني) وهي قصيدة الشاعر خليل خوري غنتها دلال الشمالي عام 1964 حرص الملحن سهيل عرفة على إضفاء حالة من الرشاقة والشموخ من خلال اللحن المُقدم ، في حين فضّل الأخوان فليفل اللجوء إلى اللحن الحماسي في (نحن الشباب لنا الغد) للشاعر بشارة الخوري.
وبعد نكسة حزيران عام 1967 ظهرت على الساحة العربية أغانٍ كان لها وقعها القوي في النفوس ، من أهمها (زهرة المدائن) غناء فيروز وتأليف وتلحين الأخوين رحباني، وعام 1968 غنى عبد الحليم حافظ (خلي السلاح صاحي) تأليف أحمد شفيق وألحان كمال الطويل، وفي العام نفسه كتب الشاعر نزار قباني قصيدة (أصبح عندي الآن بندقية) ولحنها محمد عبد الوهاب وغنتها في العام التالي أم كلثوم.
قُدمت مع انتصارات حرب تشرين التحريرية مجموعة أغنيات من أهمها (خطة قدمكن ع الأرض هدارة) التي أطلقت بالتزامن مع انطلاق الدفعة الأولى من الصواريخ السورية باتجاه الكيان الصهيوني في الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من تشرين أول عام 1973، والأغنية بصوت فيروز وتأليف وتلحين الأخوين رحباني، وتلتها أغنية (سورية يا حبيبتي) غناء نجاح سلام ومحمد سلمان ومحمد جمال وهي كلمات والحان محمد سلمان، وتمت كتابتها أثناء الحرب، فحملت الكثير من الصدق والعفوية والدلالات. وخلال الحرب الأهلية في لبنان منتصف السبعينات غنى المطرب سمير يزبك من دمشق أغنية (يا بلادي يا بلادي خدي شادي) وهي من كلمات الشاعر عيسى أيوب وألحان سهيل عرفة. ومن الأغنيات التي بقيت في الوجدان والذاكرة الجمعية نذكر (بلدي الشام) غناء وديع الصافي وفاتن حناوي، وهي من كلمات حسين حمزة وألحان سهيل عرفة، وأغنية (صباح الخير يا وطناً) التي تميزت بدفئها وقدرتها الوصول بشفافيتها إلى قلوب الكثيرين وهي من كلمات الشاعر عباس الديلمي وألحان سهيل عرفة وغناها فهد يكن وأمل عرفة، وهناك قصيدة الشاعر سعيد عقل (شام يا ذا السيف) غناء فيروز وألحان الأخوين رحباني، وأغنية (جبهة المجد) التي حملت الكثير من المعاني النبيلة، وهي من أشعار محمد مهدي الجواهري وغناء ميادة حناوي وألحان الموسيقار صفوان بهلوان، ويضاف إلى ذلك الأغنيات الوطنية للعديد من المطريين ومنهم جوليا بطرس