ابن عربي تراث إنساني لا يموت

 

الثورة أون لاين:

يعود تراث ابن عربي من جديد إلى الواجهة وهو لم يختف حتى يعود ولكن الأزمة والاختناق الروحي الذي تمر به الحضارة يفرض ذلك.. وقد شهدت سورية منذ فترة قريبة صدور الكثير من أعماله بقراءات جديدة.
وكان لافتا الدراسة المهمة والطويلة التي نشرها الاستاذ محمد قجة تحت عنوان
الشيخ الأكبر “محي الدين بن عربي”
وأثره الحضاري في حوض المتوسط
وهي دراسة شاملة ومطولة نقتطف بعضا منها هنا يقول الاستاذ القجة:
يعتبر “ابن عربي” مثالاً للفكر الإنساني الذي ترك بصماته بعيداً عبر الأجيال وعبر القارات. وكان فكره مرآة للنقاء الإنساني في سموه وتسامحه ورفعته. يقول في ترجمان الأشواق:

قالت: عجبت لصب من محاسنه
يختال ما بين أزهار وبستانِ
فقلت: لا تعجبي مما ترين فقد
أبصرت نفسك في مرآة إنسانِ

فالإنسان عنده جزء من هذا الكون الجميل بأزهاره وبساتينه ، بل إنه ينتقل خطوة أهم في فكره الإنساني الواسع الذي يعبر عنه من خلال قوله الأشهر (في ترجمان الأشواق أيضاً):

ألا يا حمامات الأراكة والبانِ
ترفّقنَ لا تضعفْنَ بالشجو أشجاني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورةٍ
فمرعى لغزلانٍ وديرٌ الرهبانِ
وبيتٌ لأوثانٍ وكعبةٌ طائفٍ
وألواحٌ توراةٍ ومصحفُ قرآنِ
أدينُ بدين الحب أنّى توجّهتْ
ركائبُه، فالحبّ ديني وإيماني

وهل هناك اتساع وعمق فكري أكبر من ذلك يستوعب ثقافات عصره ومذاهبه وآراءه فيقول إن قلبه يقبلها جميعاً. بل يمضي ليؤكد ذلك في قوله:

لا أبالي شرّق الوجد بنا
حيث ما كانت به أو غرّبا
كلما قلت: ألا، قالوا: أما
وإذا ما قلت: هل، قالوا أبى
لهف نفسي لهف نفسي لفتى
كلما غنّى حَمام غيّبا

وإذا نحن حاولنا تتبع الأثر الذي تركه الشيخ “محي الدين بن عربي” في الفكر الإنساني لكان ذلك بحاجة إلى جهد ووقت أكبر من المتاح الآن. ونكتفي ببعض الأمثلة:
1-يرى المستشرق الأسباني “خوان ريبيرا” أن “محي الدين بن عربي” قد أثر بشكل واضح في فلسفة “رايموندو لوليو”. والذي يتصفح كتابات “لوليو” يجده يتكئ في كثير من الأشياء على الشيخ “محي الدين”.
2-يرى المستشرق الأسباني “آسين بلاثيوس” أن “ابن عربي” قد ترك أثراً كبيراً في كتابات “دانتي” في كتابه “الكوميديا الإلهية” ويتابعه في ذلك كثيرون. وبخاصة في كتابي ابن عربي: “الفتوحات المكية” و”رحلة إلى مملكة الله”.
3-يرى المستشرق الياباني “ايزوتسو” أن التاويّة وتطورها قد تأثرت بفكر “ابن عربي” في المجالات الفلسفية والصوفية والمعرفية والتوحيد والحق المطلق والإرادة.
4-تأثر الفيلسوف “سبينوزا” بموضوع وحدة الوجود عند “ابن عربي” كما تأثر بموضوع التوفيق بين الحقيقة الفلسفية والحقيقة المعرفية عند “ابن رشد”، وقد أوضح “د.ابراهيم مدكور” تفاصيل وجزئيات دقيقة مقارنة بين “ابن عربي” و”سبينوزا”.
5-تأثر “ليبنتز” بفكر “ابن عربي”، ويمكن ملاحظة ذاك بمقارنة بسيطة بين أعمالهما.
إن الشيخ الأكبر “محي الدين” بحياته ورحلاته ومؤلفاته يمثل الإطار الحضاري الواسع للبحر المتوسط. فهو قد ولد في مرسية، في أقصى غرب المتوسط، الأسرة ذات أصل عربي صريح ينتهي إلى “طيء”. وانتهت حياته في أقصى شرق المتوسط في دمشق، بعد سيرة حافلة بالرحلات العلمية طاف خلالها كثيراً من مدن العالم الهامة في عصره. وكأنه بهذه الحياة وهذه الرحلات قد ربط شرق المتوسط بغربه رغم الحروب الطاحنة والخلافات العميقة والأحقاد المتراكمة على مرّ التاريخ.
وينطلق ابن عربي من رؤية عامة شاملة للإنسان، رؤية تحترم الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ومذهبه. والإنسان خليفة الله على الأرض {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} سورة البقرة 30. والخلافة رتبة كمالية لا يحوزها إلا الوجود الإنساني كما يقول “ابن عربي” في فتوحاته، وهو لذلك يرفض فكرة أن الإنسان حيوان ناطق، أو يقول: إن هذه العبارة تنطبق على الجماد والنبات والحيوان، والإنسان مزاج خاص. والمزاج الخاص هو الإنسان الحي العاقل الذي يفضل بقية الخلق (الفتوحات المكية/ ج2 ص642). إنه الإنسان الذي خاطبه ربه قائلاً: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك} سورة الانفطار 6-7. فالإنسان لدى ابن عربي يجمع العالم في شخصه، فالعالم إنسان كبير. والإنسان عالَم مختصر (الفتوحات المكية/ ج2 ص124). وانطلاقاً من ذلك كانت فكرة حب الإنسان للإنسان لدى ابن عربي تجسيداً لرؤيته أن الإنسان مخلوق تولّد من تزاوج الروح الكلي والطبيعة الكلية، فالروح أبوه والطبيعة أمه (الفتوحات المكية/ ج2 ص345).
ويبلغ الأفق الإنساني سموه الفكري والعرفاني في موضوع وحدة الوجود لدى “ابن عربي”. فهذه القضية هي بحر الوجود الزاخر الذي لا ساحل له، وهي من حيث ذاتها” الحق”. وهي من حيث صفاتها وأسماؤها ” الخلق” فهي إذاً الحق والخلق، والأول والآخر، والقديم والحادث.
وعلى الرغم من وجود هذه العبارة في مصطلحات الصوفية قبل “ابن عربي”، فإن ابن عربي هو الذي أرسى دعائم هذه الفكرة وبلورها وبخاصة في كتابه “فصوص الحكم”:

فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا
وليس خلقاً بهذا الوجه فادّكروا
جمّع وفرّق فإن العين واحدة
وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر

إن الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، ابن مرسيّه والأندلس، والراقد في دمشق، إنما هو تجسيد لرؤية حضارية ربطت بين جانبي المتوسط في أفق متسامح غني عميق. أفق يجب أن يقوم على الفهم المتبادل والاحترام المتبادل لكي تتحقق مقولة الشيخ الأكبر في رؤيته الرفيعة للإنسان.

آخر الأخبار
العمل الخيري.. يجسد التكافل الاجتماعي ومنصة لتعزيز القيم والمبادئ السيليكون مورد استراتيجي لاقتصاد المعرفة الحديثة الشيخ عماد لـ " الثورة ": نبذ العنف وترسيخ مبادئ السلام الاجتماعي والأسري سوريا نموذجاً للعيش بين الأديان الشيخ مرعي لـ"الثورة": التسامح ليس ضعفاً والمحبة أقوى من الكراهية هل يبدأ تعافي الاقتصاد السوري فعلياً؟ ديروان لـ "الثورة": تمكين المستثمرين لتحويل مبالغ مالية ضخمة الخبير حيدر لـ"الثورة": سوريا أمام انتعاش مصرفي- استثماري الفرملي: تنسيق مع منظمتي "بلا حدود" و "حماية المدنيين" لتقديم منحة لدعم التأمين الرقمي  أهالٍ من القنيطرة يحتفلون برفع العقوبات عن سوريا احتفالات  في حمص برفع العقوبات رئيس اتحاد غرف التجارة السورية : رفع العقوبات سيسهم في عودة الاقتصاديين إلى وطنهم وتدفق الاستثمارات رئيس غرفة صناعة دمشق لـ"الثورة": رفع العقوبات هو التحرير الثاني لسوريا خبير اقتصادي  لـ"الثورة": رفع العقوبات يفتح باب الاستثمار ويحسّن مستوى الدخل الاقتصاد السوري بعد 13 أيار ليس كما قبله...  خربوطلي لـ"الثورة": فرص الاستثمار باتت أكثر من واعدة ماذا بعد رفع العقوبات..؟ الدكتور عربش لـ"الثورة": فتح نوافذ إيجابية جداً على الاقتصاد نائب وزير الطوارئ لـ "الثورة":  حرائق الغابات التهمت 150 هكتاراً جامعة دمشق تناقش أهمية إدخال تقنيات  الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار لتقديم أفضل مرور إنترنت في سوريا  الاتصالات تطلق مشروع "سيلك لينك" احتفالات كبيرة في طرطوس برفع العقوبات.. وإعادة التعافي للقطاعات  الشيباني: قرار ترامب برفع العقوبات نقطة تحول محورية للشعب السوري