إعادة نظر

في مطلع عام 2019 نشرت صحيفة (ديلي ميل) البريطانية، بحثاً للمؤرخ البروفيسور فيليب بوسمان نفى فيه أن يكون الإسكندر الأكبر (356 – 323 ق.م) هو من أسس مدينة الإسكندرية المصرية، ورأى بوسمان في بحثه الذي حمل عنوان (الإسكندر في إفريقيا)، أن الإسكندر أعتبر ميناء الإسكندرية الصغير، الذي أصبح لاحقاً مركزاً رئيسياً في العالم القديم، مجرد بؤرة استيطانية ولم يكن لديه طموحات أكبر من ذلك، وأن من أسس المدينة هو بطليموس الأول الذي خلف الإسكندر الأكبر لإضفاء الشرعية على حكمه، وكجزءٍ من حملة دعائية أطلقها بعد استلامه عرش إمبراطورية الإسكندر، وقد أشير حين تداول الخبر إلى أنه في حال صحة ما ذهب إليه بوسمان فإنه سيكون هناك ضرورة لإعادة كتابة تاريخ الإسكندر الأكبر.

بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو خطأه، فإن الحملات الدعائية رافقت حروب الإسكندر -وما تزال -حيث جهدت النصوص التاريخية -والغربية منها خاصة-لتمييزه عن باقي الغزاة اعتماداً على أنه تلقى تعليمه على يد أرسطو (384-322 ق.م). وأنه سعى بناءً على ذلك إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المزج والتوازن بين الشعوب والحضارات، بالمقابل يتم تجاهل أن الفيلسوف الذي ترك الأثر الأهم في الإسكندر لم يكن أرسطو وإنما ايسوقراطس، الذي حث زعماء اليونان على مدى نصف قرن للتخلي عن صراعاتهم التقليدية وتوحيد المدن-الدول في حرب على الجوار والسيطرة عليهم بدعوى سمو الحضارة الإغريقية على ما عداها، وبهذا وفر للإسكندر الدافع الأول لغزو الشرق.

كانت هناك أيضاً مبالغات كبيرة في ترديد وقائع توحي باختلاف الإسكندر عن سواه من الغزاة مثل الحديث عما فعله إثر اغتيال عدوه الملك دارا (داريوس الثالث)، حين أمر بأن تدفن جثته باحتفال ملكي مهيب، وأعدم قاتله، رغم أن الإسكندر كان قد رفض عرضي صداقة وتحالف من داريوس، وأصر على أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى ملك واحد في آسيا، كان الإسكندر قائداً عسكرياً بارعاً طور الأساليب القتالية التي ابتكرها أبيه فيليب المقدوني مما ساعده على تحقيق انتصارات كبيرة، لكنه في الجوهر لم يكن يختلف عن باقي الغزاة، كان متسامحاً – إلى حدٍ ما – مع المدن التي تخضع له كلياً، لكنه كان شديد القسوة مع سواها، فعند وصوله أمام صور التقى بوفد من أهالي المدينة محملاً بالعديد من الهدايا وكثير من المؤن لجنده وتاج ذهبي، كانت صور تميل إلى عقد معاهدة مع الإسكندر لا إلى الخضوع له، أبلغ الإسكندر الوفد رغبته بان يقدم ذبيحة لملكارت إله المدينة، وعرض عليه الصوريون بأن يضحي في هيكل صور البرية الأقدم من هيكل الجزيرة، ذلك أن تقديم القرابين في هيكل الجزيرة هو من حق ملك صور فقط، لكن الإسكندر الذي كان يريد السيطرة المطلقة رفض العرض وقرر الدخول بالقوة إلى صور فقام بمحاصرتها سبعة أشهر تعرض فيها لمقاومة أسطورية أبتكر فيها أبناؤها أساليب بارعة، وقاتلوا ببسالة لآخر رمق وسقط منهم في هذا الصراع غير المتكافئ أكثر من ثمانية آلاف إنسان وصُلب ألفي رجل، وأسر ما يقارب من ثلاثين ألفاً من النساء والأطفال والرجال الذين بيعوا في أسواق النخاسة، وحين واجه الإسكندر مقاومة غزة انتقم من أهل المدينة شر انتقام، فطال سيفه رقاب كل الرجال القادرين على حمل السلاح، وبيعت النساء والأولاد عبيدًا، أما حاكم المدينة فقد ربطت قائمتيه بعربة وتم جرّه تحت أسوار المدينة، مات متأثرًا بجراحه.

كان داريوس بعد أن خسر معاركه مع الإسكندر، وفقد أغلب الأراضي، قد خسر احترام وثقة ضبّاطه القلائل الذين رافقوه، ومن بينهم أردشير المعروف بأسم بسوس، حاكم باختريا وقريبه، الذي أعلن نفسه خليفة له، واتجه إلى آسيا الوسطى ليُحضر حملة عسكرية ضد الإسكندر، عثرت مقدمة الجيش المقدوني على دارا مرمياً في عربته في حالة النزاع، فقام بتغطيته بعباءته، ونقل جثمانه إلى پرسپوليس حيث دفنه إلى جانب أسلافه من الملوك، بعد أن أقام له جنازة مهيبة، اعتبر الإسكندر بسوس خائناً لملكه، وانطلق في أثره، وبهذه الحجة تحوّلت الملاحقة إلى حملة غزو واسعة النطاق في آسيا الوسطى، أحتل فيها المدن والبلدات الواحدة تلو الأخرى، فضم أقاليم أفغانستان جميعها، وحين تمكن من بسوس بعد أن خانه سبنتامنش حاكم صغديا (جنوب أوزبكستان حالياً) أمر بتعذيبه حتى الموت، وبعد فترة قصيرة من هذه الحادثة، شجع سبنتامنش أبناء صغديا على الثورة، فالتقى الإسكندر بجيش سبنتامنش وأجبره على الفرار، ثم ما لبث جنوده أن قتلوه بأيديهم، وأرسلوا إلى الإسكندر يطلبون الصفح والسلام ويعلنون ولاءهم له، ولذلك لم يعتبرهم خونة لقائدهم !!

في سياق الحملات الدعائية عمل الإسكندر على إظهار مشاعر الاحترام لمعتقدات الشعوب التي غزا أراضيها، فحين أعدم بسوس حرص على أتباع الأعراف الفارسية في عقاب مرتكب الخيانة العظمى، وحين وصل إلى مصر قبل ذلك قصد معبد الإله آمون في واحة سيوة، وادعى انتسابه إليه، كما فعل نابليون بعده بأكثر من ألف وثمانمئة سنة حيث صرح خلال غزوه لمصر بأنه يتبع بالكامل تعاليم الدين الإسلامي، وأنه نطق بالشهادة أمام السكان المحليين..

وكما يفعل اليوم جيش الاحتلال الإسرائيلي حين يهنئ الفلسطينيين بأعيادهم الدينية فيما جنوده يدنسون مقدساتهم، ويغتصبون حقوقهم.

إضاءات- سعد القاسم

 

 

 

آخر الأخبار
قلعة حلب .. ليلة موعودة تعيد الروح إلى مدينة التاريخ "سيريا بيلد”.  خطوة عملية من خطوات البناء والإعمار قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر