ثورة أون لاين – رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
مارس وفد الائتلاف المسمى المعارضة أقصى درجات التسويف والمراوغة، واستهل كل موقف بكثير من التلاعب بالألفاظ والمصطلحات، ولم يدخر جهداً في تقديم أوراق اعتماده المتلونة بأقنعة الآخرين،وظل يتخفى خلف أصابعه حتى سقطت ورقة التوت أخيراً ،حين رفض البيان الذي تقدم به الوفد السوري، بدلالة أن هذا البيان يتضمن الحد الطبيعي الذي لا نعتقد أن سورياً واحداً يمكن له أن يرفضه.
من البديهيات المسلّم بها، ومن المحددات الطبيعية للانتماء الوطني، أن تكون هذه القواسم المشتركة نقطة تتقاطع حولها ومعها جميع الآراء، وأن تشكل في مجموعها الناظم المشترك للعلاقة الوطنية القائمة على محددات واضحة لا تحتمل الخلاف، ولا تقبل الجدل.
المثير في الأمر أن المبررات كانت أكثر فضائحية من الرفض ذاته، وجاءت الحجة أقبح من الذنب، وبدت الفرصة السانحة لستر ما بقي من فضائحهم متاحة، حتى اللحظة التي رفضوا بها تلك المبادئ والمحددات، التي أحرقت آخر ما في جعبتهم من أوراق صالحة للاستخدام.
فإذا كانت الغاية النهائية هي التسويف والمماطلة فإنها في رفضها تضع حداً نهائياً يكشف المستور، لأن الطريق الذي أغلقت الباب دونه ،لم يعد صالحاً بعد الآن للحديث فيه، ولا النقاش حوله، وهو الطريق الوحيد المتاح، وبالتالي فإن وفد الائتلاف يوصل الرسالة بوضوح بأنه لا يريد حلاً، ولا هو مؤهل لأي حل، ولا مفوض بأي حل.
وحتى تحججه ببيان جنيف لا يقدم كثيراً ولا يلغي ما ترتب على الرفض، لأن جنيف بالأساس لا ينص على حرف واحد يناقض أو يتعارض مع ورقة المبادئ تلك، بل هي من صلبه ومتضمنة في الكثير من فقراته.
المفارقة المريرة أن يكون التسويق الغربي للرفض قائماً على الاعتقاد والوهم، وربما المراهنة على ورقة الوضع الإنساني الذي مارست دوائر التسويف الغربي أعلى درجات الاستلاب فيه، واستخدمت الكثير من أدوات الهيمنة المنسقة لفرض حضوره في المنابر الإعلامية كأحد أهم وسائل التأثير والحرب الإعلامية الشعواء التي وقفت خلفه.
هذا الأمر انسحب على المعطيات التي شكلها في أروقة المؤتمر الدولي، وكان الإصرار عليه يثير علامات استفهام فارقة في مضمار الضخ السياسي والإعلامي، وقد جندت تلك الدوائر أقصى الشعارات من أجل تسويقه كحالة قائمة بحد ذاتها، وفرضها على أجندة المؤتمر كمقدمة للدعاية السياسية الرخيصة.
ما فاتهم جميعاً أن تراكمات ما أنتجته الجهود الحكومية السورية على مدى الأشهر الماضية لا يمكن أن يصادر تحت عناوين الوضع الإنساني، ولا يستطيعون استخدامه في تحقيق رصيد سياسي كاذب لما اصطلح عليه بالمعارضة، ولا المحاججة عبره، وقد فرّطت حتى بماء وجهها، ولن تنفعها كل أقنعة العالم الغربي وقفازات أدواته في استدراك ما يمكن أن يستر آخر عوراتهم بعد أن سقطت كل أوراق التوت المستعارة في القاعات السويسرية، فذاب ثلج الأقنعة المزيفة وبان تحته مرج «المعارضين».
لا ننكر أننا في كثير من الأحيان تعاطينا مع جرم خيانتهم وقرينة عمالتهم من زاوية ترك الباب مفتوحاً للتوبة، وهناك الكثير من علامات الاستفهام المرتسمة، والبعض لم يتردد في الغمز من قناة النقد على قبول الجلوس معهم، غير أننا كنا منذ البداية ندرك أن اللحظة التي ينكشفون فيها ليست بعيدة.
ولا ننكر أننا في مواقع كثيرة لم نضع نقاط خيانتهم على حروف عمالتهم، وتغاضينا عن الكثير من موبقاتهم، وها هم اليوم يصطفّون في القاع الذي ارتضوه، فكان ترفعنا دليلاً إضافياً على الحضيض الذي وصلوا إليه.
في لغة البازار السياسي الرخيص كانوا عتاة إرهاب، وفي مفردة المزايدة السمجة في الحرص على السوريين كانوا مجرد أُجراء، وفي مصطلح الشعارات السياسية كانوا بقايا عملاء وسيبقون كذلك حتى اللحظة الأخيرة.
a.ka667@yahoo.com