في سياق اللهاث الأميركي لزيادة توتير أجواء الفوضى في المنطقة، لتكون ستاراً للانسحاب التدريجي من مستنقع الفشل العالقة فيه واشنطن، يلقي الأميركي مسؤولية تعويم هذه الفوضى على وكلائه وأتباعه ليخفف من وطأة الخسائر العسكرية والمادية والسياسية، بما يحفظ له بعضاً من ماء الوجه، ونلاحظ ذلك من خلال عمليات التصعيد ضد سورية عبر الوكيلين الصهيوني والتركي، وكذلك من خلال ارتفاع نبرة التهديد والوعيد ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قبل حكام العدو الصهيوني، وما يتم تحضيره لإرباك وإضعاف محور المقاومة على وجه العموم.
على وقع هذا التصعيد الحاصل، يعيد الثنائي الإرهابي “بايدن وبينت” فصول سياسة سابقيهما ” ترامب ونتنياهو”، فيستكملان نهجهما العدواني، ويستنسخان أسلوب الترهيب ذاته، للاستمرار بزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وما تسربه حكومة بينت لإعلامها بشأن إيعازها “لأجهزتها الأمنية” بإعداد خطط لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية حال تعثر مفاوضات فيينا القادمة، هو محاولة أميركية عقيمة للضغط على إيران من بوابة التهديد الإسرائيلية، علها تخرج بايدن من مأزق انصياع إدارته المحتوم لشروط طهران الرافضة لأي تنازل في حقوقها المشروعة لقاء عودة واشنطن للاتفاق النووي.
تهديدات حكومة بينت ضد طهران، لاشك أنها إشارة أميركية توحي بإبقاء الخيار العسكري حاضراً على أجندة إدارة بايدن، وهذا يعني أن هذه الإدارة لم تتعظ من فشل سابقتها بإخضاع إيران عبر الترهيب، حيث رحل ترامب من دون أن يتجرأ على تنفيذ تهديداته، وإنما بقي يستجدي التفاوض حتى اللحظة الأخيرة قبل خروجه من البيت الأبيض، وكذلك فإن كل الهجمات الإرهابية التي نفذها “الموساد” بعهد نتنياهو ضد منشآت نووية إيرانية، فضلاً عن عمليات الاغتيال التي ارتكبها بحق علماء إيرانيين لم تزحزح طهران قيد أنملة عن التمسك بحقوقها المشروعة، فعلى ماذا يراهن الثنائي “بايدن وبينت” اليوم إذا، سوى على إثارة المزيد من أجواء التوتر، والتفاوض لاحقاً من أجل تأمين خروج آمن لقوات الاحتلال الأميركي من المنطقة.
سورية أيضاً لم تخرج من دائرة الاستهداف الأميركي والصهيوني، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وآخرها الاعتداء الغاشم على المنطقة الجنوبية بالتوازي مع إتمام عمليات التسوية في درعا كلها جاءت بأوامر وتعليمات أميركية، ما يعني أن الثنائي “بايدن وبينت” يلهثان معا لإطالة أمد الأزمة، وإعطاء جرعات دعم إضافية لما تبقى من تنظيمات إرهابية، لمواصلة استهداف محور المقاومة عبر البوابة السورية، وهذا من شأنه إضافة المزيد من الإرباك على المشهدين الميداني والسياسي، لإعادة خلط الأوراق والعودة بالأمور إلى المربع الأول، لتجريب سيناريوهات أخرى بعد فشل سابقاتها.. ولكن وقائع الميدان، وما أفرزته من تثبيت معادلات قوة رادعة، تجعل مخططات حكومتي الإرهاب الأميركية والصهيونية محكوماً عليها بالفشل، وهنا يكون من الأجدى لإدارة بايدن أن تتماشى مع متغيرات القوة الجديدة التي فرضها المحور المقاوم، والتعاطي بموضوعية مع هذه التغيرات، فالتسليم بواقع هزيمة مخططاتها يسهل عليها كثيراً مسألة الخروج من المنطقة بما يحفظ لها ماء وجهها.
البقعة الساخنة – ناصر منذر