الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
لا يمكن للعاشق الوفيّ، ومهما قسى عليه المعشوق، إلا أن يرهُ المثل الأكمل والأجمل، شامخاً كقاسيون الصّمود، لا يميلُ أو ينحني.. ناظراً إلى فضاءِ عليائه، وطن الكبرياء الذي لا يُحدّ، ونقاء المدى الذي يتنفّس هوائه..
أمّا العاشق، فهو كلّ من عانق هذا الوطن، رافضاً التخلّي عنه أو خيانة أرضه، أو حتى استبدال هواهُ بأهواءٍ، أرادها صاحية لا تغفو، إلا على وسادته وحلمه..
وأما المعشوق، فهو سوريّة.. صرختنا الأولى، ويقظتنا الأحلى.. مفرداتنا وأغنياتنا.. أحضان أماننا، ووسادة أحلامنا.. بوابات الحياة، وأسطورةُ التضحيات.. الضمير الذي اعتدنا على رفعه، فأبى إلا الاتّصال بالحقّ والانفصال عن كلّ جارٍّ ومجرور.. كارهاً خياناتِ من غدروا به، بعد أن استتبّوا في أمانه، فوسوس لهم شيطانهم، باقترافِ ما جعلهم أعداءَ لا أشقاء، يسري في دمهم الجُور والفجور..
عرّفناهُ قصيدة، فرتّلنا مفرداته بكلماتٍ متعبّدة، صلّته أبد خشوعها، فأشرقت شمسها منه، وسطعت تتباهى بنورها..
عرفناه ياسمينة، تجذّرت في حنايا قلوبنا، ففاح عطرها الممزوج بألوان أزهاره، وكأنها الحبيبة التي تأبى أن تلوذ، إلا في حناياهُ، كي تعانق أسراره..
إنه أوّل العشق، ولا يمكن تخيّله دون استحضارِ الدروب والأمكنة، التي أهداها لنا فعبّدناها بذكرياتنا.. دون التعطّر به، حدّ الانتشاءِ ولعاً تعتّق في روحِ دمشقه.. دون قراءته شغفاً، إن تاهت تفاصيله، زوّدنا التاريخ بأبلغ منها، وهم أساطيره…
أبناءُ وأشقاءُ ورجال وشهداء أمومته.. الأمومة المفجوعة التي غادَرتها الحياة فلم تمت، لأنها الأرض ولأنه مطرها.. أغرقها بفيضِ انهماره، فتدثّرت بفيضِ ألمها.. لم تخلعهُ بل شاءته، ابناً أبداً لن تفقده…
هي أمومة هذا الزّمان، وقلبها عناقيدُ حبٍّ، تهبُ الحياة للإنسان.. شهيدها زيتونها، وزيتهُ دمع عيونها.. باركها هذا المقدّس بسوريّته، رسول الحقِّ وقربانه، دماءٌ توثّق حقيقته..
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء9-11-2021
رقم العدد :1071