خلافاً لمزاعم الإدارة الأميركية بشأن سعيها لانتهاج سياسة الدبلوماسية والحوار لمعالجة الملفات الدولية العالقة، يصعّد حلف “الناتو” – الذراع العسكري للولايات المتحدة- سياسته العدائية تجاه روسيا، وتضيف تدريباته الاستفزازية في البحر الأسود، نقطة توتر ساخنة قد تحرق معها ما تبقى من جسور تواصل بين الجانبين، وقد اعتبر الوزير سيرغي لافروف أن هذه التدريبات مرتبطة باعتزام الولايات المتحدة وحلفائها تصعيد سياسة احتواء روسيا، فيما وصف الوزير سيرغي شويغو دخول السفن العسكرية للحلف إلى هذه المنطقة، بأن واشنطن وحلفاءها يحاولون اختبار مدى مناعة حدود روسيا، وأكد أن بلاده لن تسمح بحدوث أي استفزازات جديدة، ما يعني إمكانية حدوث تصادم عسكري بحال ارتكب “الناتو” أي حماقة عسكرية.
واضح أن قادة “الناتو” ليس بواردهم التخلي عن عقلية الحرب الباردة، ولكن هل باستطاعة هذا الحلف تحقيق أهداف أميركا السياسية من وراء هذا التحشيد؟، وهل بمقدور الحلفاء الأوروبيين تحمّل تبعات أي انزلاق عسكري بحال تفاقم حدة التوتر الحاصل؟، والأهم، هل ستلتزم الولايات المتحدة بحماية أمن شركائها عند أي مواجهة عسكرية محتملة؟.
استفزازات “الناتو” العسكرية، تشير إلى أن الولايات المتحدة تحاول خلق صراع جديد لتثبيت هيمنتها ونفوذها، تحسن من خلاله شروطها التفاوضية في الحوار مع روسيا حول الاستقرار الإستراتيجي، الذي انطلق بعد لقاء الرئيسين الروسي والأميركي في جنيف مؤخراً، لاسيما في ظلّ الازدحام الكبير للملفات الدولية الشائكة، والجاري الحوار بشأنها بين الجانبين، ما يعني أن تحشيدات “الناتو” هي مجرد رسائل سياسية بقصد الضغط والابتزاز، لعدم قدرة هذا الحلف على خوض مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، لما باتت تمتلكه من قوة وقدرات كبيرة تجعلها تحسم أي معركة محتملة لمصلحتها.
أميركا باتت تدرك بأن “الناتو” لم يعد مصدر قوة لقبضتها الضاربة، لاسيما وأن الانقسامات المتصاعدة داخل دوله الأعضاء باتت تهدد بتفككه، ولعل جنوحها لتشكيل تحالفات أمنية جديدة من خارج إطار الحلف- ” أوكوس” أنموذجاً- يعطي مثالاً على ذلك، ولكنها تدفع الحلف لتسخين أجواء التوتر مع روسيا، لاعتبارات سياسية أخرى، هي تريد للقرار الأوروبي أن يبقى مرتهناً لسياستها، خاصة بعدما باتت تخشى إمكانية أن تشكل أوروبا قوة خاصة بها، على خلفية اتساع فجوة الثقة بين الجانبين في الفترة الأخيرة، وهنا يخطئ الأوروبيون كثيراً بحال إصرارهم على تجاهل طعنات الغدر الأميركية بحقهم، وأن يدركوا حقيقة أن بلادهم هي من ستكون ساحة المواجهة المباشرة بحال أي صدام عسكري محتمل، ومعروف عن الولايات المتحدة أنها تسارع للتخلي عن حلفائها وأدواتها بحال اقتضت مصالحها الخاصة هذا الأمر، ودرس أفغانستان ما زال ماثلاً.
نبض الحدث – ناصر منذر