الملحق الثقافي:ميثاء محمود:
في زيارةٍ قامت بها الشّاعرة الهندية «شيلا غوجرال» إلى سورية، وكان ذلك مطلع كانون الأول 1987، مرّت بمدينة «تدمر» وتوقّفت لالتقاطِ صورٍ تذكاريّة، ولتأمّل جلال هذه المدينة التي أذهلها جمالها، إلى الحدّ الذي شعرت فيه بنشوةٍ أصابتها بما يشبهُ الغيبوبة، لتسارع وبعد أن استيقظت منها، لكتابة قصيدتها:
«كانت الريحُ تنسجُ قصّة لا تنتهي/ وتُلقيها في أذُني/ لقد بهرَ عينيّ هذا المجدُ الغابرْ/ وهزّ روحي سحرُ المعابدِ القديمة/ ونفذَ إلى كلّ جارحة من جوارحي/ وقفتُ في حرمِ الإلهام/ أمام هياكلِ الأباطرة العظام/ مبهورة بعظمةِ تدمر/ بالأمجاد الشامخة/ التي تتحدّى الزمن»../..
لم يكن هذا الانبهار وحده السبب في جعل «غوجرال» تكتب قصيدتها هذه، ذلك أن ما عُرف عنها، اهتماماتها الوجدانيّة مثلما الإنسانيّة والحضاريّة، التي كانت سبباً في تأمّلها لـ «تدمر» التي كانت وكيفما تلفّتت فيها، تسمع «دمدمة الجبال، وأناشيد الينابيع المباركة، وهمس الأبراج التي تغازل السّماء».
«هنالكَ وجدتُني أقفُ ساكنة/ وأنا غائبةٌ عن الوعي/ أستعدُّ لالتقاطِ صورةٍ فوتوغرافيّة/ أمام ضريجٍ من أضرحةِ.. «تدمر»/ مُفعمٌ بالأبَّهة والجلال/.. كلّ هذه الأمجاد كانت تقفُ شامخة/ في رواقِ الأعمدة/ صامتة.. تتحدّى الزّمن»..
«غوجرال» الشاعرة والكاتبة ذائعة الصّيت، ذات خبرة عميقة مكّنتها، من تقديم مساهماتٍ أثُرت أدب الإنسان عموماً، والأطفال خصوصاً، وأغلبها في الشّعر والنّثر، وقد كان أشهرها «الجمرتان السوداوان»، وهي المجموعة التي عبّرت من خلالها، عن مشاركتها الوجدانية في أهمّ المشكلات الاجتماعية والإنسانيّة التي يعاني منها الإنسان، وسواء في وطنها «الهند»، أو في أيّ بلدٍ من بلدان العالم.
تقول في قصيدة عنوانها «ضحايا كانيشا»، مشيرة إلى ضحايا الطائرة الهندية التي انفجرت فوق المحيط الأطلسي:
«الريحُ تنشجُ/ القمرُ ينوحُ/ الأمواجُ تبكي/ النجوم تندبُ/ المياه تنتحب/ لقد نسجَ الفجرُ الأكفان من اللآلئِ المتأّلقة/ ولفَّ بها الضّحايا»..
لقد سعت «غوجرال» لتقديم رسائل محبة ووعي للإنسانية، فكانت وعبر أعمالها، توجّه الإنسان إلى ذاته، كي يعرفها ويجعلها تنطق وتحادث، كلّ ما خلقه الله من طبيعةٍ وجمال.
ها هي في قصيدة «نداء الأعماق» تبيّن بجرأةٍ، مدى تأثير وقوّة صوت الإنسان المناضل الشجاع، في الدفاع عن إنسانيته وبلاده وجذوره قائلة:
«هناك من يدقُّ.. يدقُّ/ هل تسمعون؟/ هناك من يصرخُ.. ينادي/ هل تسمعونه الآن؟!.. إنه صوتُ الأعماق.. صوت الإنسان الساحق»….
التاريخ: الثلاثاء16-11-2021
رقم العدد :1072