الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد:
يعتبر أدب الأطفال الأكثر أهمية في الأجناس الأدبية، بنوعيه القصّة والشّعر، أو القصّة الطويلة التي تشبه الرواية القصيرة، وهذا النوع من الأدب ليس سهلاً كما يعتقد البعض، ذلك أنه يحتاج قبل كلّ شيء، إلى خبراتٍ نفسية ليست قليلة، ومكوّنات تجعل الطفل يستسهل المادة التي يتلقّاها، ولكن في الواقع، هذه المادة وما فيها من مكوّنات، هي من النوع السهل الممتنع، لأن النصّ الأدبي الذي يُكتب للطفل، فيه كافة العناصر التي تسهم في بنائه، بناءً خلاقاً.. قد تجتمع في النصّ الصورة والعاطفة والفكرة المبتكرة، والموسيقا والتوازن المتسلسل، منذ البداية إلى النهاية، ما يجعل هذا الأدب، لا يقلّ أهمية وصعوبة عن أيّ جنسٍ آخر، إن لم يكن أكثر صعوبة.
مثلاً: نقرأ في قصيدة الشاعر «أسعد الديري:
«صديقتي هيلانة .. كأنها ريحانة
والبلبلُ الوديع .. أهدى لها ألحانه
الزهرُ في البستان .. يهفو لمرآها
وعطرها الفوّاح .. ما كان لولاها»
في هذا النصّ، يكمن هدف الشّاعر في تقوية أواصر المحبة في المجتمع، وتزيين الصورة الشكلية للطفل، حتى يرسخ في خياله المعنى، وتظل الفكرة فيه مورقة، وهكذا فعل أيضاً، الشاعر «سليمان العيسى» في قوله:
«ماما ماما يا أنغاما .. تملأُ قلبي بندى الحبِّ
أنتِ نشيدي عيدكِ عيدي .. بسمةُ أمّي سرُّ وجودي».
ويتجسد البناء الفنيّ المتين والصعب، في القصة أيضاً، وتبدو الحالة التكوينية للقصة لا تقلّ صعوبة عن الشّعر، فليس سهلاً أن يختار الكاتب شكلاً فنيّاً جديداً لموضوعٍ جديد، ورؤية تسعى لحالةٍ تربوية صحيحة، كما جاء في قصة «التفاحة المغرورة» لـ «جمال أبو سمرة» الذي أنسن بطلة القصة «التفاحة» فراحت تتكلّم مع الأطفال والفلاح، وتساهم في تكوين الفكرة المنشودة من القصة.
كذلك فعل الأديب «رامز حاج حسين» الذي أنسن «النحلة» وجعل من حركتها أشياء مفيدة للأطفال، ولنموّهم التربوي السليم.
وهناك أدباء وشعراء، خرجوا من هذا النمط التشكيليّ، إلى نمطٍ أكثر قرباً من الأطفال، الذين تجاوزوا مرحلة البدايات التي ترغب في أنسنةِ أدوات القصّ، أو مكوّنات الشّعر، وتسعى إلى زرعِ الحكمةِ والقيم التربوية في نفوس الأطفال، كما فعل الشاعر «أحمد شوقي» في قوله:
«لي جـدّةٌ ترأفُ بي .. أحنُّ عليَّ من أبي
وكلّ شيءٍ ســرّني .. تــذهبُ فيه مذهبي
إن غضـبَ الأهلُ عليّ .. كلّهم لم تغضبِ
مشـــى أبي يــوماً إليّ .. مشــيةَ المــؤدّبِ
غضبان قد هدّد بالضربِ.. وإن لم يضرُبِ
فلم أجد لي منهُ غير .. جدّتي من مهربِ»
أيضاً، هناك أدبيات رسّخت القيم الوطنية، والتمسّك بحبّ الوطن، كما فعل «أسعد الديري» أيضاً، في قصيدة «أناشيد لبراعم الوطن» وكذلك «قحطان بيرقدار» و»رامز حاج حسين» «ومحمد قرانيا» و»نظمية أكراد» و»ميرنا أوغلنيان» وغيرهم كثر.. ولا يمكن نكران الدور الكبير للرسامين الذين يوازون الأفكار الجميلة للأطفال، بلوحاتٍ سامية فيها كلّ المقومات الإبداعية، مثل الفنان الراحل «ممتاز البحرة» الذي كان لرسوماته المتميزة، الأثر الكبير في نفوس الأطفال، ممن شهدوا مرحلة مهمة في حياة أدب الطفل، وفي زمن مضى.. الزمن الذي عشق فيه الطفل حبّ المطالعة والرسم، وتعلّم القيم السامية والتعاون وحبّ الناس والإيثار، والمحافظة على موروثٍ ثقافيّ، كاد يصبح في يومٍ من الأيام، من أهمّ الآداب العالمية في أدب الطفل، الذي يُبنى به المستقبل المشرق.
التاريخ: الثلاثاء16-11-2021
رقم العدد :1072