الثورة:
يشترك في حوض النيل تسع دول هي مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وزائير حالياً الكونغو الديمقراطية وروندا وبورندي، ويبلغ طول النهر من أقصى منابعه في الجنوب عند بحيرة كاجيرا وحتى مصبه في الشمال في البحر الأبيض المتوسط نحو 6740 كم، ويجري داخل الأراضي المصرية لمسافة تصل إلى نحو 1532 كم من الحدود المصرية السودانية في الجنوب وحتى البحر المتوسط، وتتجمع مياه النهر في ثلاثة أحواض رئيسية هي الهضبة الإثيوبية وهضبة البحيرات الاستوائية وحوض بحر الغزال حيث تشكل الهضبة الإثيوبية أهم منابع النيل وأخطرها.
وكما هو واضح من خريطة نهر النيل يظهر مدى تشابك الأنهار والبحيرات المختلفة التي تصب في ذلك الجزء الشمالي من النهر الذي يبدأ من الخرطوم في السودان وحتى ساحل البحر المتوسط في مصر، ويمتد النيل الأزرق من الهضبة الإثيوبية حتى يلتقي مع النيل الأبيض عبر السودان في الخرطوم.
أما البحيرات فيوجد أكثر من بحيرة تطل على شواطئها المترامية الأطراف في أكثر من دولة مثل تنزانيا وكينيا وأوغندا التي تشترك جميعها في بحيرة فكتوريا ويتضح من ذلك وجود تشابك للمصادر المائية لنهر النيل وتشعبها بين جميع هذه الدول الإفريقية.
إن طبيعة النهر تحتم على الدول التسع الاشتراك في حوض نهر واحد، ونظراً لأن النهر وروافده مجزأة بين هذه الدول فإنه يجب أن تكون الاتفاقيات جماعية تحقيقاً للتعاون ومنعاً لظهور المشاكل التي تؤثر على موارد المياه.
مشكلات المياه بين دول حوض النيل
تتباين مصالح وأهداف دول حوض النيل حيث يوجد اختلاف في التوجه بين دول المنبع ودول المصب المطلة على النهر وقد تتفاقم المشاكل بسبب سعي دول المنبع لتنفيذ مشروعات مائية دون التنسيق مع دول المصب النيلية ما يضر بمصالحها، الأمر الذي يتنافى مع الأحكام والأعراف والمواثيق المنظمة للعلاقات بين دول المنبع والمصب.
الصراع على مياه نهر النيل
استغلت أثيوبيا وجود منابع النيل الأزرق داخل أراضيها التي تمد كل من مصر والسودان بنسبة 85% من إيرادات المياه إليها واستخدمت المياه كسلاح سياسي للضغط على السودان لإيقاف المساعدات التي تقدمها لأرتيريا ولتسخين العلاقات مع مصر وإبعادها عن مساندة الصومال.
يتمثل الصراع أساساً فيما تقدم عليه أثيوبيا من إقامة المسرعات المقترحة التي تؤثر على موارد المياه لكل من السودان ومصر، وتمت دراسة ثلاثة مشروعات اثنان منها بوساطة مكتب الاستطلاع الأمريكي ومعاونة فنية إسرائيلية، وهو مشروع سد فنشا، ويقام أحد روافد النيل الأزرق و(مشروع الليبردت) على نهر السوباط و(مشروع سيفت) على أحد روافد عطيرة و(مشروع خور الفاش) ويقع على الحدود السودانية الأثيوبية وهذه المشاريع لو أقيمت سوف تؤثر على مصر بمقدار 7 مليارات متر مكعب سنوياً، ولذا تحاول أثيوبيا التنصل من اتفاقية أديس أبابا في 15 أيار 1902 الموقعة بين الحكومة البريطانية التي كانت تتولى مسؤولية العلاقات الدولية للسودان في فترة الاحتلال وأثيوبيا، وتعهد ملك إثيوبيا بموجب المادة الثانية بعدم إقامة أي مشروعات سواء على النيل الأزرق أو على بحيرة تانا أو على نهر السوباط يكون من شأنها التأثير على مياه النيل، ولا يسمح بإقامة مثل هذه المشروعات إلا بعد الاتفاق مع الحكومة البريطانية والسودانية.
التهديدات والأخطار
استغلت بعض الدول أثيوبيا وجعلتها مصدر تهديد في فترات مختلفة من الزمن بتشجيعها على إقامة المشروعات التي تؤثر على الموارد المائية لمصر, ففي إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة ومصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أنجزت الولايات المتحدة دراسة حول مياه النيل قدمتها الى النظام الأثيوبي بهدف استصلاح / 400 / ألف هكتار من الأراضي القائمة على الحدود السودانية – الأثيوبية وإنتاج الكهرباء لتحقيق مستلزمات هذا المشروع الذي لو تحقق فإنه يحرم مصر والسودان من خمسة مليارات متر مكعب سنوياً. وكانت الولايات المتحدة الأميركية تلوح للرئيس عبد الناصر في ذلك الوقت باستخدام سلاح المياه, لأن منابع النيل الأساسية تأتي من مرتفعات أثيوبيا وإن النظام الأثيوبي يستطيع أن يلعب دوماً ضده في هذا المجال.
مطامع وطموحات “إسرائيل”
لإسرائيل مطامع في مياه النيل تعود إلى بداية هذا القرن, وترى دوائر البحث الإسرائيلية في نهر النيل أنه المصدر الذي سيحل مشكلتها المائية, وقد ظهرت مقالات عديدة في الصحف الإسرائيلية منذ منتصف السبعينيات تدعو الى مشروع شراء مياه النيل وتحويلها الى النقب, وقد ظهرت أسباب جديدة للقلق حين تردد أن خبراء في “إسرائيل” يجرون أبحاثاً في أثيوبيا واوغندا لإقامة مشروعات الري على النيل مما قد يؤثر على كمية المياه التي تصل إلى مصر..
مما يضاعف من حدة القلق شبكة العلاقات الحيوية التي أقامتها “إسرائيل” مع أثيوبيا لتدعيم حركات التمرد في جنوب السودان, ورداً على ذلك أن النيل نهر دولي لا تملك مصر الحق في تحويل مياهه لأي دولة أخرى دون الاتفاق مع دول حوض النيل, وإنها لا توافق على فكرة التحويل لأنها في حاجة إلى زيادة الموارد المائية لمواجهة مشكلة الزيادة السكانية, والأهم من ذلك إنه لا يوجد تطبيع نهائي في العلاقات مع “إسرائيل” طالما أنها لا توافق على السلام العادل والدائم مع العرب في المنطقة.
الآثار على الأمن القومي العربي
تعتمد مصر على مياه النيل كمصدر ثان أساسي, يتعلق بحياة شعبها وبقائها وبالتالي أمنها القومي, ولذا فإنها تركز على تنمية وزيادة مواردها المائية في حدود حصتها المقررة وترى أن الاعتداء على حقوقها المكتسبة في مياه النيل بإقامة أي مشروع على أنهار وروافد النهر بما يؤثر على هذه الحقوق يعتبر مساساً بأمنها القومي, وتتمثل الأخطار المحدقة بمصادر المياه المصرية جذرية في منسوب مياه النيل الذي يصل مصر وبالتالي يخفض حصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً أو في قيام أوغندا بمشروعات مماثلة أو في انفصال جنوب السودان عن شماله الأمر الذي سيقضي على المشروعات المشتركة بين مصر والسودان, لذا يجب مواجهة التحديات الرئيسية المرتبطة باحتياجات مصر من المياه وذلك بمقاومة التغلغل الإسرائيلي في المنطقة نتيجة قيام إسرائيل بدور مؤثر في منطقتي منابع النيل.
إن المتغيرات في منطقة دول حوض النيل تفرض على دول المنطقة نبذ كل الخلافات حول المياه والتوجه نحو التعاون والتنسيق المشترك ليكون النيل محورا مشتركاً للتنمية لدول المنطقة، ويجب احتواء عوامل عدم الاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة والسعي إلى تشجيع فكرة التعاون الإقليمي وذلك من أجل التغلب على مشكلات الأمن المائي والأمن القومي, والمعروف أن أمن مصر القومي يعتمد على مياه نهر النيل مع معدل النمو السكاني الحالي وازدياد الرقعة الزراعية عن طريق استصلاح الأراضي الصحراوية والتوسع في النشاط الصناعي مما يجعل مصر تواجه عجزاً محتملاً في السنوات القادمة.
ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن الخلافات الجارية بين مصر والسودان مع أثيوبيا التي حولت معظم مياه النيل في خزانات نتيجة للسدود التي بنتها على نهر النيل, ستفضي إلى حروب لا مفر منها إذا ما تم الاتفاق بين دول حوض النيل في تنمية الموارد المائية لمصلحة الجميع واتخاذ الإجراءات لإقامة تعاون إقليمي فيما بينها.
د.رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتب عراقي