هفاف ميهوب
في كتابها “أن تفكّر بعمق” تتناول الكاتبة السويدية “ليزا هاجلوند” الأسئلة التي نضطرّ لطرحها، ونحن نواجه الحياة اليوميّة، ومشكلاتها المعقّدة التي تفرض علينا التأمل والتفكير الدقيق في هذه الأسئلة، وفي سواها مما يعجز عن الإجابة عليه بشكلٍ حقيقي، إلا فيلسوفٌ واسع المعرفة وعميق الرؤية، لما يتطلّب منه وقبل كلّ شيء، التفكير بـ “ما ينبغي أن يفكّر به، قبل أن يبدأ..”
إنه ما يحتاج برأيها إلى “أدوات معرفيّة”، ومنها “منشار التفكير” الذي وجدته يلزم كلّ فيلسوفٍ لطالما، “يقسّم الفلاسفة الأفكار حسب اختلافها، ويصنّفونها إلى فئاتٍ، مثلما يُقسّم المنشار الأخشاب إلى قطعٍ مختلفة، وهو ما يلزمه “الحجّة” أو “البرهان”، أو كما أطلقت عليهما أيضاً، “مسمار الفيلسوف ومطرقته”..
تُعيدني أقوال هذه الكاتبة عن أدوات الفيلسوف، إلى الألماني “نيتشه” الذي اشتُهر بـ “فيلسوف المطرقة”.. تلك التي أعلن بأنه سيهدم بها، أوثان وأحكام الماضي الفاسدة، ليعود ويرسّخ بعدها، قيماً وجودية إنسانيّة جديدة، قائلاً في ذلك: “أين الحقيقة أين الحقيقة؟! أعطوني مطرقة لأكسر الخرافات والأوثان.. سأحكي لكم التاريخ الذي لم يُحك بعد، لن ننطلق من كذبةٍ قديمة لننفي كذبة جديدة، نحتاج لتدمير كلّ شيء لإعادة البناء”.
هي أدواتٌ، وإن كان “نيتشه” أكثر من عُرف باستخدامها، إلا أن كُثرا من الفلاسفة أشاروا إلى استخدامها في تفكيرهم، فها هو “سبينوزا” صاحب أول “رسالة في تهذيب العقل” و”الأخلاق” وغيرهما مما حمّلهما من البراهين، ما يخصّ الفكر الإنساني بأكمله، ويهدف إلى قيادة العقل نحو الحقيقة… ها هو يشير إلى أن العقل يتعامل مع موضوعات المعرفة، مثلما يتعامل الإنسان مع أدواته، فالحداد يحتاج إلى المطرقة، وصناعة المطرقة تحتاج إلى أدواتٍ أخرى، ما يعني أن الإنسان، وفي جميع نشاطاته، يتعامل مع الحياة بما يصنعه هو..
يبدو أن النمساوي – البريطاني “فتجنشتاين” الذي يُعتبر من أهم فلاسفة القرن العشرين، والذي أكّد على كون اللغة هي الأداة الأقوى لديه، لم يجد بدّاً من الاعتماد على هذه الأدوات، فقد وجد بأن هذه اللغة ترتكز على كلمات، وبأن كلّ كلمة في فكر الفيلسوف، تشبه كلّ أداةٍ من أدوات صندوق النجّار، حيث نجد المطرقة والمنشار والمفكّ والمسامير، وبالتالي يكون “للغة استخدامات فلسفية عديدة، والفيلسوف الذي يعجز عن استخدامها، يخلق مشكلات، كان يمكن تجنّبها”..
باختصار، هي أدواتُ التفكير الحكيم، لدى العديد من الفلاسفة، ممن أشاروا إلى أهميتها في عملية الهدم، ليُعاد بعدها بناء حياة جديدة، وأفكار عاقلة وعادلة، وصولاً إلى الحقيقة المطلقة التي سعوا جميعاً للوصول إليها..