الثورة – هفاف ميهوب:
يرسم، فيَشعر الناظر إلى لوحاته، بأن من أبدعها يقيم فيها، يسعى لأن يحاوره، وبهدوءِ الفنان الإنسان، في محاكاته للروح التي تهفو إلى التحليق في فضاءٍ، لوّنه بحياةٍ شاءها تحيا، لتُحيي فينا الإحساس بالسكينة، وتشجعنا على التأمّل بحبّ، ينبضُ بالطبيعةِ التي تتنفس مدى سوريّته.
يكتب، فيشعر القارئ بأن عليه أن يستكشف ما وراء تفاصيله، التي لا يمكن أن يُخرج الدرر من أعماق مدلولاتها، إلا متمرّس في ابتكار اللغة، وحكيم في محاكاتها.
إنه “عمار حسن”.. الفنان والناقد التشكيلي الذي يُحسن انتقاء ألوانه، بالطريقة ذاتها التي يُحسن فيها انتقاء مفرداته.. راقية، عميقة، أصيلة، حكيمة، تتماهى مع الجمال باكتمال.. تستحضر الطبيعة واخضرارها، والكلمات وأسرارها، غير عابئةٍ بالحرائق، أو حتى بالعتمةِ التي هيمنت على الحياة، دون أن تتمكّن من إخماد شرارة الإبداع ونور الحقائق..
كيف لا، لطالما كان الفن لديه: “الفنُّ شرارة ضوء لوعيٍ خاص ونوعيّ، طريقٌ لوعي الذات، وطريقٌ لثراءِ الحياة.. الفنُّ هو اشتعال الحقيقة في العمل حتى يصبح فنيّاً، حقيقة خاصة تمنح العمل عالماً”..
هي ليست إجابته، بل هي فلسفته.. فلسفة الـ “بدء” التي يجدها “ما قبل الألف وبعد الياء”، والتي ترى: “الخيال يأخذنا إلى تلك الأماكن التي لا يتدخّل وعينا فيها، في صناعة أي أفكار أو حقائق.. يأخذنا إلى اللاوعي، وما هو أبعد وأوسع وأعمق منه”..
إنها فلسفة فنان، لا يشبه أحد ولا يقلّد أحد، ذلك أن “الفنان لا يستطيع تقليد طاقة المشاعر، ولا أن يخسر مشاعره الأصيلة، فيصير لا شيء”..
يرى ويعتنق هذا الرأي، لأنه لا يريد أن يخسر طاقة مشاعره الأصيلة، وأيضاً، أخلاقه وقيمته، مؤكّداً بذلك أنه فنانٌ حقيقي، و”الفنان هو وليد القيمة التي تصله عبر المجتمع والفنّ، يتأثر بهذه القيمة ثمّ يعيد تصديرها”.
أما أهم ما على الفنان أن يعرفه عن لوحته، فـ “قدرتها على الاتصال بكلّ الأشياء حولها، وكأنها تتنفّسها”، ودون أن يعرف عنها إلا ما عرفه وأشار إليه بقوله: “لا أعرف كيف لهذه اللوحة أن تجعلني أطوف فيما لا أراه وكأنني أراه، وأسمعه.. ولا صوت ولا صدى يكسر سكونها العميق والممتلئ.. لا أعرف كيف تدفعني هذه اللوحة، لأعرف أكثر من خلالِ وهم الرؤية، ولكني في الوقت ذاته، أجد أن معرفتي قاصرة أمام مجموع إشاراتها، إلى معارفٍ أكثر اتساعاً، رهبةً، تأملاً وجمالاً..”.
لا شكّ أنه الفنان البصير في سبرِ حكايا الألوان، وانتقاء مفردات الطبيعة التي علمّته مذ خرج من رحم أمومتها، كيف يكون وفيّاً للحياة والجمال والأصالة والوطن.. سورية التي وإن راقصتها ريشة ألوانه، رقصة الطير المذبوح من شدّة ألمه، إلا أنها حلّقت بها حيث أجواء الحياة التي أبدعت، في جعل موسيقاها تنشدُ البقاءَ، فتخفتُ ثم تتعالى، بلمساتِ مبدعها ومعرفته:
“عرفت أنه بالفنِ يُقتل الموت، لأنه لا حقيقة أكثر نقاء من هذا الوهم الحقيقي، هذا الوهم الذي يعطي للحياة معناها، فالفن ليس مجرد الرسم، بل بلوغ أمكنة وأزمنة ومعارف وعواطف لا تصل إليها الحقائق.. الفنّ خلاصة الأشياء وسرّها وطاقتها، لذا لا موت في الفن. “بالفن يُقتل الموت”.. إنها المعرفة التي توجِد مساحة ثالثة بين الحياة والموت”..