الثورة – عبد الحليم سعود:
من الواضح أن التدخلات الخارجية في الوضع الليبي مستمرة رغم كل الجهود التي بذلت للحد منها، وقد تجلت مؤخراً وبشكل سافر في الانتخابات الرئاسية المزمعة، حيث تباينت مواقف الدول المتدخلة بالشأن الليبي إزاء هذه الانتخابات ما بين داعم أو رافض لها، وظهر ذلك بشكل جلي مع ترشح سيف الإسلام القذافي، فالمعطيات التي أدت إلى شبه إجماع دولي على إجراء الانتخابات في وقت سابق سقطت بعد ترشح الأخير بالنظر لأسباب عديدة داخلية وخارجية.
واشنطن التي زادت من تدخلها في ليبيا مؤخراً بعد ظهور النفوذ الروسي، وكل ما يهمها حاليا هو الحيلولة دون تمدد هذا النفوذ، وبالتالي فإن وجود مرشحين يعارضون سياسة أميركا كفيل بجعل واشنطن تبذل كل ما لديها لنسف العملية السياسية بأكملها وعدم الاكتفاء بتأجيل الانتخابات فقط.
أما باريس التي كانت المساهم الأول في تدمير ليبيا واستصدار قرار أممي عام 2011 استخدمته ذريعة للتدخل في ليبيا وقتل رئيسها معمر القذافي ليست على علاقة طيبة مع نجله، وهو يحملها صراحة المسؤولية الكاملة عن مقتل والده وشقيقه، وهذا ما يدفعها لعرقلة الانتخابات بالتعاون مع واشنطن.
على الجانب العربي تبدو مصر الدولة العربية الأكثر تأثيراً وتأثراً بما يحدث في ليبيا والأكثر قرباً منها، وهي تريد إجراء الانتخابات أيا كان الرئيس القادم، لأن إنتاج نظام ليبي وطني هو الحل الوحيد لإخراج البلاد من دائرة التجاذبات الدولية، فضلًا عن مساهمة الاستقرار في ليبيا في طرد كل القوات الأجنبية وخاصة التركية التي تمس بأمنها القومي، ومن الضروري أن تقوم بالتنسيق مع كل من تونس والجزائر لتقوية الموقف العربي إزاء ليبيا من أجل إنقاذها بما يخدم مصالح الدول الثلاث.
أما تركيا التي وقفت ضد إجراء الانتخابات سابقاً فقد وجدت أنها في صالحها حالياً لأسباب عديدة، فضلًا عن أن أنقرة لم تشارك في عمليات الناتو في ليبيا خوفاً على مصالحها الاقتصادية، ما يعني أن هناك مساحة كبيرة تسمح بعقد التفاهمات بينها وبين الرئيس القادم، لاسيما إن فاز أحد حلفائها.
في المقابل فإن روسيا التي استعادت الكثير من نفوذها في ليبيا بالسنوات الأخيرة تعتبر المسألة الليبية مسألة هامة بالنسبة إليها لأنها خدعت في مجلس الأمن وتم تمرير قرار دولي سمح للغرب بالتدخل في ليبيا وتالياً تم إسقاط نظام القذافي الصديق والحليف لها، فعلى خلفية صفقة السلاح التي ألغاها القذافي مع فرنسا وعقدها مع موسكو، تم العبث باستقرار ليبيا لتدفع أثمان انتقالها من المعسكر الغربي إلى روسيا التي لم تتمكن من حمايتها من عدوان الناتو عليها، وقد حان الوقت لموسكو كي ترد الصفعة للناتو من البوابة الليبية ذاتها، ولذلك فهي تدعم الانتخابات بشدة، ونتيجتها قد تؤمن لها حضورا قويا على حساب الحضور الغربي برمته.
أخيراً من المؤكد أن هذه الانتخابات لن تجري بسهولة ومن الممكن أن يتم تأجيلها، فصراع وتنافس القوى المتدخلة بالشأن الليبي سيستمر وسيشتد، وقد تدخل البلاد في جولة جديدة من الفوضى ما لم يتم اتفاق وسط بين القوى الدولية التي يسيل لعاب الكثير منها شرقاً وغرباً على ثروات ليبيا.
