من اللحظات الأولى التي أصبحت فيها الثورة الرقمية مكوّناً أساسياً في حياتنا بدأنا بإصدار أحكام الإعدام على كل ما هو ورقي، بدأنا بإغلاق الصحف والمجلات والمطابع، أغلقنا المكتبات المدرسية في الكثير من المدارس، وجاءت جائحة كورونا فكانت الحجة والسبيل لإيقاف ما تبقى من صحف وكتب ودوريات ورقية بحجة عدم انتشار هذا الوباء ومازالت متوقفة حتى الآن.
زرعنا في أذهان أجيالنا أن عصر الكتاب الورقي قد انتهى وعليه ان ينهل علومه ومعارفه من الانترنت والفيس بوك والواتساب، حتى خسرنا أبناءنا.. هم معنا جسداً لا روحاً ضمن البيت الواحد والغرفة الواحدة.. كلٌّ يغني على ليلاه.
آخر الدراسات الحديثة وفي أكثر من دولة أثبتت أن عصر الورق لن ينتهي، على الرغم من الميِّزات الكثيرة للقراءة من الشاشة، مثل السعة الكبيرة للأجهزة، مما يتيح وجود كثير من الكتب في حيِّز صغير، ودون وزن ثقيل، وسهولة الحصول عليها في كل وقت، ومراعاة الميول الفردية لكل قارئ، لكنَّ الفريق البحثي أشار إلى عيوب في القراءة الإلكترونية أيضاً، على اعتبار أن الأبحاث أثبتت أن النصوص الطويلة تكون أصعب على الشاشة، كما أن التعمُّق وتذكر ما قرأه الشخص يكون في حالة الكتب الورقية أسهل بكثير من الكتب الإلكترونية، لأنَّ القراءة في الكتاب الورقي ترتبط في الذهن بمواضع معيَّنة في الصفحة الورقية، كما أن الشاشة تحرم الإنسان من الشعور “ببر الأمان”، أي بالقدرة على الاستقرار على موضوع محدَّد، والبقاء فيه لبعض الوقت، وهو ما نلمسه في سلوكيات الأطفال والشباب، فلاحظت أن الشباب دائمي التنقّل بين الكتاب الإلكتروني وبين مواقع واتساب، والموسيقى وفقرات الفيديو.
وإن القراءة لها تأثيرات على تحفيز الخيال وتنمية الشعور بالآخرين ومصائرهم، والارتقاء بالقدرة على التركيز، والانضباط، وزيادة الحصيلة اللغوية، وتنمية القدرة على التفكير النظري، وهي قدرات لا يقوم بها الكتاب الإلكتروني.
وأشارت دراسة نرويجية أجريت على تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 15 و 16 عاماً، إلى أن مَنْ يستخدم منهم الكتب الورقية يكون أقدر على الإجابة عن الأسئلة حول المعلومات الواردة فيها، مقارنة باستخدام الشاشة لقراءة المعلومات نفسها.
لا أحد يقلل من أهمية الثورة الرقمية، ولكن بشرط أن نملك ناصية وأساس هذه الثورة، لأن من أعطانا هذه التقنيات قادر على أن يسلبنا ما أعطى على اعتبار أن جميع محركات البحث واستضافات المواقع الالكترونية هي في يده.
عين المجتمع-ياسر حمزة