الثورة – عبد الحليم سعود:
يترقب العالم بقلق بالغ ما ستسفر عنه محادثات فيينا بشأن برنامج إيران النووي حيث تزايدت التصريحات غير المتفائلة بهذا الشأن قبل استئناف التفاوض مجدداً، فواشنطن تؤكد أن الوقت المتبقي لإنجاز اتفاق ليس طويلاً وتحدده بأسابيع وليس بأشهر، في حين تتمسك طهران بضمانات أميركية مدعومة بقرار دولي في حال تم توقيع اتفاق جديد، فبعد ثماني جولات من المحادثات شهدها العام الماضي، لا تزال نقاط التعثر بين الأطراف المتفاوضة تتركز حول موضوع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، إذ لم تقدم واشنطن أي ضمانات بعدم العودة إلى نهج العقوبات أو أي التزام بعدم الانسحاب من الاتفاق في حال توقيعه، عدا عن كونها تتهم إيران بإهدار الوقت والافتقار إلى الجدية في المفاوضات، محاولة وضع شروط لا تقبلها إيران.
الإدارة الأميركية المستعجلة لإنجاز اتفاق يزيد من القيود على الأنشطة النووية الإيرانية دون رفع كامل عقوباتها عن الشعب الإيراني تقول إنها محبطة بسبب ما وصفته عدم جدية طهران في المفاوضات، في حين تؤكد الأخيرة أن استراتيجيتها تقوم على إنجاز أو إبرام اتفاق دائم، موضحة أن الاتفاق التي تسعى إليه واشنطن أقرب إلى اتفاق مؤقت يطالب بوقف إنتاج أجهزة الطرد المركزي، وخفض نسبة تخصيب اليورانيوم، ويتطرق إلى فكرة الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة، وليس الرفع الشامل للعقوبات المفروضة.
في الحقيقة من يتابع المشهد العام للمفاوضات سيلاحظ أن الولايات المتحدة تحاول التهرب من مسؤولياتها، وهي المسؤولة عن انهيار اتفاق عام 2015 وعدم تنفيذ بنوده المتعلقة برفع العقوبات والإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة، وكان ينبغي عليها أن تقدم الضمانات التي تريدها إيران كي لا يتكرر ما حدث عام 2018 حين قام الرئيس السابق دونالد ترامب بإلغاء الاتفاق منفذاً وعوده الانتخابية التي تستجيب للمصالح الصهيونية، أما إيران فقد برهنت عن التزامها بالاتفاق ونفذت كل ما عليها وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم يسجل عليها أي ملاحظة تذكر من قبل مراقبي الوكالة الدولية، بل على العكس قطع التعاون بين الطرفين مرحلة جيدة من التفاهم قبل أن يدخل الكيان الصهيوني، الذي يملك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية دون أي رقابة دولية، على الخط باغتيالات، وأعمال تخريبية داخل إيران بذريعة سعي طهران المزعوم لإنتاج سلاح نووي.
اليوم الصورة شديدة الوضوح بالنسبة لإيران، ولا يمكن أن تقبل بخداعها مرة أخرى بعناوين جديدة، بحيث تنجر إلى تقديم التزامات وتعهدات بوقف وتجميد برنامجها النووي بشكل نهائي فيما الطرف الآخر مستعد للتنصل من التزاماته متى رأى مصلحته في ذلك، فمن يضمن ألا تخرج واشنطن من الاتفاق مرة جديدة في حال فاز الجمهوريون برئاسة أميركا في الانتخابات القادمة، إذ لا يزال شبح ترامب الذي قام بتخريب الاتفاق يخيم على الأجواء في واشنطن، في حين يتحرك اللوبي الصهيوني المعارض لأي اتفاق بقوة داخل المؤسسات الأميركية المؤثرة.
ليس بالضرورة أن يكون البديل الجاهز لعدم توقيع اتفاق جديد هو الحرب، فقد استغرق إنجاز الاتفاق السابق حوالي 13 سنة، إلا إذا أصرت واشنطن على تحديد جدول زمني لتمرير أجندتها في الاتفاق، وهي بذلك تجهض الجولات التفاوضية الماضية وتنساق بشكل ما لرغبات الكيان الصهيوني الذي يضع خيار الحرب في رأس أولوياته، وهذا ما يستدعي بذل جهود دولية كبيرة لإبقاء طاولة التفاوض قائمة، لأن المنطقة لا تستطيع احتمال نشوب حرب جديدة بالمعطيات الكارثية التي يتم الحديث عنها كاستهداف المنشآت النووية الإيرانية واشتعال لهيب النيران في كامل منطقة الخليج وما يمكن أن ينجم عن ذلك.