الثورة – ميساء العلي:
تقول الأرقام الأولية الصادرة عن المصارف السورية: إن المصارف الإسلامية تفوقت من حيث الموجودات على المصارف التقليدية، وارتفعت موجوداتها من 18.2 إلى 25 تريليون ليرة سورية خلال العام 2024.
نمو
وبحسب تلك البيانات فإن نمو الموجودات المصرفية في سوريا مدفوعاً بشكل رئيسي بالمصارف الإسلامية.. هذا وقد حصدت المصارف الإسلامية نسبة 93 بالمئة بقيمة بلغت 25 تريليون ليرة سورية، وحازت المصارف التقليدية 7 بالمئة بقيمة 2 ترليون ليرة.
وتقول البيانات: إن كفة المصارف الإسلامية قد رجحت بنسبة 64 بالمئة بقيمة 284.4 مليار ليرة، فيما بلغت حصة المصارف التقليدية 36 بالمئة بقيمة 157.6 مليار ليرة سورية، إذ بلغت نسبة نمو أرباح المصارف الإسلامية 97 بالمئة بالمقارنة مع العام 2023.
هذا مؤشر على الدور المتنامي للمصارف الإسلامية في السوق المصرفية السورية، والطلب المتزايد على الخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يؤكد النجاح الذي حققته هذه المصارف في جذب الاستثمارات والودائع.
جذب الأفراد والمؤسسات
دور المصارف الإسلامية في التنمية الاقتصادية، والتي لعبت دوراً هاماً في جذب الأفراد والمؤسسات في اقتصادنا السوري رغم قلة عددها المتمثل بأربعة بنوك (بنك البركة وبنك الشام وبنك سوريا الدولي الإسلامي والبنك الوطني الإسلامي) كان محل نقاش من قبل عدد من الخبراء الاقتصاديين للتعرف على مستقبل عمل هذه المصارف.
بوتيرة سريعة
يقول أستاذ التحليل الاقتصادي بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية: إن أول ضوابط الصيرفة الإسلامية ظهرت في انكلترا في إطار عملية مدروسة لترغيب المسلمين من أشخاص ومؤسسات التعامل مع المصارف، وقد تم ذلك خلال اعتماد الربح الحلال المتأرجح صعوداً وهبوطاً بدلاً من الفائدة الثابتة المحظورة دينياً، لذا انتشرت مثل هذه المصارف الإسلامية في الدول العربية، ومنها سوريا والتي تم تأسيس 4 مصارف والتي تجذب الكثير من المتعاملين ممن يؤمنون بشرعية عملها ومنها البنك الدولي الإسلامي والبنك الوطني الإسلامي، علماً أن آلية عملها وسيرورة نشاطها لا تختلف عموماً عن سيرورة نشاط البنوك العادية التجارية.
وأضاف فضلية: “عموماً بسبب الرؤى الإسلامية التي تسيطر أو ستسيطر على العمل العام في ظل الإدارة الجديدة للبلاد”.
وتوقع أن تطغى الضوابط الإسلامية الحنيفة على التعامل المصرفي الأمر الذي يعني حتماً تطور العمل المصرفي الإسلامي بوتيرة سريعة نسبياً مع الفترات السابقة، خاصة وأن عمل ونشاط هذه المصارف محكوم قانونياً وشرعياً.
استحواذ كبير
رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية الدكتور عبد الرزاق قاسم قال في حديث لـ”الثورة”: إن تأسيس المصارف الإسلامية كان بموجب المرسوم رقم 35 لعام 2005 والذي سمح بإحداث المصارف الإسلامية، ومن ضمن أهدافها تقديم الخدمات المصرفية التي ستقوم بها والتعامل معها وفق شروط تأسيس تلك المصارف وإجراءات الترخيص وشروط الرقابة الشرعية.
وأضاف قاسم: إن هناك 4 مصارف إسلامية من أصل 15 مصرفاً تقليدياً، تستحوذ المصارف الإسلامية على 66 بالمئة من إجمالي ودائع المصارف العاملة في سوريا، ونسبة صافي التسهيلات الائتمانية 67 بالمئة من إجمالي التسهيلات الائتمانية للمصارف السورية، في حين يبلغ مجموع موجودات المصارف الإسلامية ما نسبته 46 بالمئة وكتلة رؤوس أموالها 51 بالمئة من إجمالي حجم رؤوس أموال المصارف التقليدية.
ميزة
وقال: إن ميزة المصارف الإسلامية أن لديها إمكانية استثمار أموالها بمشاريع والتأسيس لمشاريع وفق قانون ترخيصها، وذلك يعطيها إمكانية الدخول في استثمارات بالاقتصاد الحقيقي.
وتوقع قاسم أن يكون للمصارف الإسلامية فرص للتوظيف أكثر وتوظيف المدخرات وخاصة بعد أن يصدر قانون الصكوك الاسلامية لتمويل عدد من المشروعات عبر الصكوك الاسلامية.
من جانبه الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي قال في حديثه لـ”الثورة”: إن ضعف البنية الاستثمارية في سوريا بشكل كبير، ومحدودية أدوات التمويل أحد أبرز أسباب هذا الضعف، ففي المصارف التقليدية، تنحصر المشتقات التمويلية غالباً في الإقراض بفائدة، مما يقيد خيارات المستثمرين، بينما تقدم المصارف الإسلامية نموذجاً مختلفاً، فهي أشبه بمصارف استثمارية تملك وتبيع وتشتري وفق عقود مشاركة ومرابحة وأدوات أخرى تحقق أرباحاً محددة ومشروعة.
هذا التنوع- بحسب الخبير- يمنح الاقتصاد السوري دفعاً قوياً في الوقت الراهن، وتساهم مشتقات التمويل الإسلامية المتنوعة في دعم شتى الأنشطة الاقتصادية.
إذاً هذا التحول الكبير في تطور آلية عمل المصارف الإسلامية وحجم إيراداتها النوعية، يشير إلى تحوُّل استراتيجي في ثقة الأفراد والمؤسسات نحو النموذج المصرفي الإسلامي القائم على المشاركة والمُرابحة، وربما هروباً من مخاطر النظام التقليدي في ظلِّ عدم الاستقرار النقدي والتحديات الاقتصادية.
بين الإسلامية والتقليدية
ويفسر قوشجي هذا النمو المذهل للمصارف الإسلامية بعوامل رئيسية، منها تعزيز الثقة في المنتجات الإسلامية (كالمرابحة والمشاركة) التي تُنظر إليها كبديل أكثر أخلاقية واستقراراً.
وتحوُّل المدخرين، أي هروب الودائع من المصارف التقليدية بسبب الأزمات الاقتصادية المتكررة وتأثير العقوبات الدولية وسياسات تمويلية فعالة تركيزها على تمويل مشاريع استثمارية مربحة وملموسة تساهم في النشاط الاقتصادي الحقيقي.
أما تراجع المصارف التقليدية، فيعود أساساً إلى:
– ضعف قدرتها على جذب الودائع.
– تأثير العقوبات المباشر على تعاملاتها الدولية.
– انكماش الإقراض التقليدي بسبب ارتفاع معدلات التضخم والمخاطر المرتفعة.
وأضاف: إن التحولات الجذرية في القطاع المصرفي السوري، كما تُجسدها بيانات الأعوام 2023-2024، حقيقةً لا يمكن تجاهلها، فقد أصبحت المصارف الإسلامية محركاً أساسياً وحاسماً للاقتصاد السوري في مرحلته الراهنة، ونموها الاستثنائي وهيمنتها على الحصة الأكبر من الإيرادات ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي انعكاس لثقة متنامية في نموذجها القائم على المشاركة والربط بالاقتصاد الحقيقي، ولعجز المصارف التقليدية عن مواجهة التحديات الهيكلية والعقوبات وعدم الاستقرار.
وبالنظر إلى هذه الديناميكية القوية وفاعلية أدوات التمويل الإسلامية المتنوعة، بحسب الخبير الاقتصادي والمصرفي، يبرز دور هذه المصارف كشريك استراتيجي لا غنى عنه في معركة إعادة الإعمار.
ناهيك عن تشجيعها وتعزيز قدراتها للانخراط بشكل أعمق في الجهاز المصرفي السوري ليس خياراً فحسب، بل هو ضرورة ملحة، فهي الأقدر على توفير الآليات التمويلية الملائمة والمرنة لتمويل مشاريع إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وإنشاء المدن والضواحي السكنية الحديثة، وذلك بما يتوافق مع احتياجات المجتمع السوري ومتطلبات مرحلة التعافي الاقتصادي الصعبة، كذلك استثمار هذا الزخم والبناء عليه يمثل فرصة حقيقية لدفع عجلة التنمية، ووضع الأسس لاقتصاد سوري أكثر قوة واستقراراً في المستقبل.
التحدي الأكبر الذي يواجه عمل المصارف الإسلامية بحسب بعض الآراء، يتمثل في نقص الكادر المؤهل الأمر الذي يتطلب إعادة تأهيل الكادر وصقل خبراته المتنوعة ومواكبة التطورات في مجال المصارف الإسلامية من خلال تطبيق المعايير الخاصة بها والتعرف على خدمات هذه المصارف وآلية عملها.
الجدير بالذكر أن المصارف الخاصة الإسلامية بدأت بالعمل في السوق السورية عام 2006 وذلك بناءً على المرسوم رقم 35 لعام 2005 الذي سمح بإحداثها، وذلك وفقاً للأسس والصيغ القانونية والإجراءات المنصوص عليها في القانون الخاص بإحداث المصارف الخاصة في سورية رقم 28 لعام 2001، وتمارس المصارف الإسلامية نشاطها تحت إشراف مصرف سوريا المركزي، ومراقبته وبإشراف لجنة الهيئة الشرعية المنبثقة عن مجلس النقد والتسليف لإدارة الأمور الشرعية فيما يخص العمل المصرفي الإسلامي في سوريا.