بعيداً عن الغلاء الفاحش في أسعار المواد التموينية كون الكتابة عنها لا تجدي نفعاً، خاصة إذا ما علمنا أن المعنيين بالمتابعة والرقابة باتوا “أذن من طين وأذن من عجين”، بمعنى أن لا فائدة من كل ما نشر وينشر عن الفلتان في السوق. لكن ما يهمنا اليوم جانب آخر من جوانب الفلتان الحاصل في سوق الدواء، ونتعمد بإطلاق تسمية “سوق” كون المتعاملين من صيادلة ومكاتب علمية متخصصة ببيع الدواء ومعامل أدوية ابتعدوا كثيراً عن صفتهم الإنسانية وبات همهم الوحيد الربح ثم الربح وإن كان على حساب أرواح وحياة الناس.
طبعاً الحكومة وافقت لكل هؤلاء على زيادة الأسعار بنسبة 30% بالمئة، وكانت موافقتها متواكبة مع زيادة الرواتب والأجور، لكن على ما يبدو أن الـ 30% بالمئة المعلن عنها غير الواقع المعاش.. الواقع يؤكد أن أسعار الأدوية ارتفعت نحو 100%، وبعض الأصناف ارتفعت ثلاثة أضعاف مع ظهور مشهد جديد وهو توزيع الدواء “حراً” في أغلب الصيدليات، بحيث تستطيع شراء أي نوع دواء ولكن بالسعر الحر وغالبية الصيادلة يعلنون ذلك صراحة ويقولون هكذا تبيعنا شركات الأدوية.
تصوروا يا رعاكم الله إلى أين وصلت الأمور..؟، سعر علبة دواء من صنف الصادات الحيوية كانت تباع قبل هذه الزيادة بنحو أربعة آلاف ليرة، بينما أصبح سعرها اليوم يتراوح بين 20 و30 ألف ليرة لعدم توفرها، ويتحدثون هناك رقابة.. وهناك صور مرعبة لعملية الاستغلال في الأسواق فمثلاً بعض وصفات أمراض غير مزمنة للأطفال تتجاوز عتبة المئة ألف ليرة سورية، فمثلا علبة روز فليكس سعرها 2800 تباع بـ 7000 ليرة وأصناف الاوغمانتين تتجاوز عتبة العشرين ألف ليرة!.
ونحن هنا نسأل: أين رقابة نقابة الصيادلة.. ورقابة وزارة الصحة.. ورقابة التجارة الداخلية من ظاهرة بيع الدواء الحر من جهة، وظاهرة الغلاء الذي تجاوز حدود الـ 30% بالمئة من جهة ثانية..؟.
ونحن نطرح مسألة الغلاء في أسعار الأدوية، نقول كفى المواطنين زيادات في أسعار كافة المواد، ونعود ونكرر الدواء خط أحمر، فالغلاء الحاصل في السوق تجاوز كل الخطوط الحمر، ومن يقول غير ذلك أو يخالف فهذا يعني مخالفة لقرارات الحكومة مهما كانت الأسباب التي يطرحها المعنيون في صناعة الدواء. لكن الذي حصل أن وافقت الحكومة على زيادة الأسعار ثلاثون بالمئة، لكن هذه الزيادة لم ترضِ أصحاب المعامل أو الصيادلة ومكاتب التوزيع تحت أعذار واهية، كونهم يحاولون ممارسة الضغوط كي يحصلوا على زيادة أكثر من مئة بالمئة.
وهنا نقول: إن عدم رفع سعر الأدوية وتوفيرها هو من أولى واجبات الحكومة ووزارة الصحة التي تؤكد أن الدواء الوطني يغطي حالياً 89% من احتياجات السوق المحلية لكن هذه السوق تحتكر الكثير من أصناف الأدوية، وهنا نسوق مثالاً أسر لديها شخصان يحتاجان لدواء للأمراض المزمنة كالضغط والسكر والقلب والربو على سبيل المثال لا الحصر،يكون مصروفها من الدواء حوالي 70000 ليرة شهرياً إن لم نقل أكثر من ذلك، أي ما يعادل حوالي 50% من إجمالي دخلها اذا كان لديها دخل. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل تمت دراسة هذه الحسابات من قبل المعنيين في الفريق الاقتصادي ولو لبرهة للتفكير بكيفية تدبر مثل هذه الأسرة أمورها..؟.
سؤال برسم الإجابة عليه..؟.
حديث الناس – اسماعيل جرادات