بعيداً عما إذا كنا مع أو ضد، لكننا على الصعيد الشخصي نحن مع ما تطرحه التنمية الإدارية من أفكار حول الإفصاح عن الذمة المالية لكافة العاملين في الدولة، لكن قبل الخوض في هذه المسألة لابد من القول بأن الذمة المالية هي عبارة عن وسيلة يقر من خلالها الموظف الحكومي وفي أي مستوى كان ما له وزوجته وأولاده القصّر من أموال نقدية أو عقارية أو منقولة داخل البلد أو خارجها، بما في ذلك الأسهم والسندات والحصص في الشركات والحسابات البنكية، لا ويدخل في ذلك أيضاً ما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات.
الطرح مهم جداً خاصة إذا ما علمنا بوجود حالة فساد متفشية في مؤسساتنا العامة، مع علمنا أن موضوع الذمة المالية طرح قبل هذه المرحلة بسنوات لكنه لم يوضع موضع التنفيذ آنذاك، لكن على ما يبدو أن وزيرة التنمية الإدارية كشفت مؤخراً عن قرب إقرار مثل هذا القانون، إذ يطلب من كل عامل في الدولة وبمختلف الفئات تقديم إقرار بما يملك عند التوظيف وعند كل ترقية، وأن كافة الإجراءات والآليات لتطبيق هذا القانون على الأرض على ما يبدو جاهزة.
المشروع مهم، ويفترض أن يأخذ طريقه للتنفيذ مباشرة، لاعتقادنا أن الأرضية لتطبيقه باتت مواتية في هذا التوقيت، وذلك كما قلنا لحالة تفشي الفساد في مختلف إدارات الدولة، وذلك وبالتوازي مع اطلاق مشروع الإصلاح الإداري الذي تمت المباشرة به، ونعتقد أيضا أن طرح مثل هكذا مشروع تكمن في تهيئة بيئة تشريعية مناسبة قادرة على ضبط حالات الكسب غير المشروع، وهي عملية وقائية للمستقبل وعلاج للوضع الحالي، وتعد كما فهمنا من المعنيين مرحلة انتقال صعبة, قد تتعرض لاعتراضات شديدة من قبل الفاسدين، لكن الموضوع يحتاج لثقافة مجتمع بالكامل.
نعود لنقول:على ما يبدو هناك جدية في تطبيق هذا القانون، وهذا يتطلب من كافة العاملين في الجهات العامة الالتزام بتقديم إقرار الذمة المالية عند بدء التعيين وعند انتهاء الخدمة ويعدّ الإقرار إحدى الثبوتيات اللازمة لاستكمال إجراءات التعيين، ولتصفية الحقوق التأمينية، وهذا لا يحول انتهاء المهام الموجبة (كالتقاعد أو الاستقالة) لتقديم الإقرار من إقامة الدعوى العامة عن إثراء غير مشروع، ولا تمنع الوفاة من مطالبة ورثة المدّعى عليه بأداء قيمة الكسب غير المشروع في حدود ما آل إليهم من تركة مورثّهم. لكننا وعلى الرغم من قناعتنا بأننا بحاجة ماسة لهذا القانون نقول:
الفساد المنتشر لا يكافحه نصّ يدرج في هذا القانون أو ذاك، وإنما حزمة متكاملة من الإجراءات الإدارية والإصلاحات التشريعية، ويأتي على رأسها إصلاح الرواتب والمعاشات، فمن العبث العمل على مكافحة الفساد إذا لم يكن راتب الموظف يكفيه شرَّ العوز، ثم يأتي بعد ذلك سدّ الثغرات والعيوب الجسيمة الموجودة في قوانين عقود القطاع العام، والعقوبات الاقتصادية، والعدول عن سياسة ادفع بالالتي هي أحسن لتنجو من العقاب، ومن يظن أنه فوق القانون مصيره السجن لا أن يدفع غرامات فقط، ناهيك بوجوب استثناء الجرائم الاقتصادية من أي قانون عفو اعتاده الناس دائماًإضافة لاستقلال القضاء والنيابة العامة عن السلطة التنفيذية، وغير ذلك من إجراءات كثيرة.
حديث الناس- إسماعيل جرادات