الثورة – هفاف ميهوب:
في سعيه لفهم إنسان ما بعد الحداثة، وتحديداً في كتابه “الأنا والنحن ـ والتحليل النفسي لإنسان ما بعد الحداثة”، يشير المحلّل النفسي الألماني “راينر فونك” إلى أنه لم يرد في سعيه هذا، استخدام مفهومي الـ “أنا” و”النحن” كمصطلحاتٍ فلسفية أو سيكولوجية، وإنما التعبير عن واقع حياة أناس يزداد عددهم باستمرار، والكثير منهم يريدون الحياة لأناهم، دون أن يكونوا بذلك أنانيين، ذلك أن هناك نوعاً جديداً من التنشئة الاجتماعية، لا يمكن الاستغناء فيها عن “الشعور بالنحن”.. وليس فقط “الأنا المنطوقة أو المُعاشة”.
يعتمد “فونك” في هذه الدراسة، على شرح شخصية وطباع الإنسان حسب رؤى أستاذه، عالم النفس الشهير “إيريك فروم”، ويسعى إلى تطوير طباع الإنسان، اعتماداً على دراسته لأعماله النفسية والسيكوـ اجتماعية.. الأعمال التي قادته إلى تطوير رؤاه بطريقة تواكب مجتمعات ما بعد الحداثة، ليكون ما توصّل إليه، هو أن “كلّ تغيير في هذه المجتمعات، مثلما في اقتصادها، لا بدّ أن يقود إلى تغيير في الشخصية الإنسانية، وبالتالي في سلوك الناس وفكرهم وشعورهم وممارساتهم، فليس السلوك وحده من يتأثر، بل أيضاً القيم والصورة التي يحملها الإنسان عن نفسه وعن الآخرين، وكذلك المحيط والمستقبل والإمكانيات الذاتية..”.
الأنا هنا تجعل الشخصية مختلفة، وتشكّل استفزازاً للآخرين، فهي تمنح نوعاً جديداً للحياة، فلا تكون ضد شيء لكنها تكون مع شيءٍ ما، حيث “تطبيق الأنا عفوياً، كجواب على تجربة في الحياة، تتضمن من جهة إمكانيات لا حدّ لها في خلقٍ ذاتي مدهش للواقع، ومن جهة أخرى، يظهر وكأنها تقدّم ردّ فعلٍ هادف، على تكسّر كلّ أسس وركائز وتوجهات، القيم في الاقتصاد والمجتمع”.
إنها الأنا المبدعة، تلك التي يرى بأن لديها رغبة تتمثّل بإنتاج أناها ذاتياً.. أي ما تقدّمه من إبداع، ولا يقصد هنا القدرات الشخصية الخاصة، وإنما وضع النفس في الصف الأول في كلّ مشهد، وإنتاج الواقع بمساعدة برمجيات وتقنيات وأدوات جديدة، إضافة إلى تجميل الذات والمكان والحياة، فإبداع الأنا الموجّه، يعني تجميل عالم الحياة، وما يخص ذواتنا..
باختصار.. يريد “فونك” أن يقول: “الإنسان المابعد حداثوي والنشيط، يسعى بشغفٍ لبناء أناه، باستقلاله عن اللوازم والضغوط والقيود، دون أخذ تطلعات ومتطلبات الآخرين، بعين الاعتبار.. ينتج ذاته، بحرية وعفوية كبيرة ومبدعة.