الثورة – حسين روماني:
يستعيد ملتقى الكتّاب السوريين وهج الكلمة ليذكّر أن الثقافة ليست على هامش المشهد الثقافي، بل في صميمه، على مدى أربعة أيام، اجتمع كتّاب وشعراء وباحثون في المكتبة الوطنية بدمشق، ضمن فعالية نظمها اتحاد الكتّاب العرب مع وزارة الثقافة، في محاولة لإعادة بناء الجسور بين الكاتب والمجتمع، وبين النصّ والواقع، انتهت مساء أمس بتكريم شمل المشاركين من أهل الكلمة والثقافة، جمعهم بوزير الثقافة محمد ياسين الصالح، ورئيس اتحاد الكتّاب العرب محمد طه العثمان.
لا سلطة على الكلمة
في تصريح خاص لصحيفة الثورة، عبّر وزير الثقافة محمد ياسين الصالح عن تفاؤله بالدورة الأولى من ملتقى الكتّاب السوريين، معتبراً أنها تمثل لحظة رمزية لعودة الحياة الثقافية إلى مسارها الطبيعي، ولفت إلى أن “الإخوة المنظمين في المكتبة الوطنية أبدعوا في تنظيم هذا الملتقى، الذي يأتي في نسخته الأولى بعد تحرير سوريا”، مشيراً إلى أن ما جرى “ليس مجرد حدث ثقافي بل علامة على بداية استعادة الفضاء العام لصوته الحرّ”. وتابع الصالح: “اليوم يعود الكُتّاب ليلتئموا، تعود المؤسسات الحكومية لتتكاتف، نعود لنقول لاتحاد الكتّاب العرب: مرحباً بكم في فضاء الحرية”.. موضحاً “هذا فضاء لا سلطة فيه على الكلمة.. اكتب ما تشاء، واقرأ ما تشاء، وتعالَ لنبني معاً هوية ثقافية ترفع اسم هذا البلد وتعيده حيث يستحق في كل المحاور”.
أن نكون معاً
برؤية شاعرية تنبع من قلب التجربة، عبر مدير عام مديريات الثقافة والمراكز الثقافية الشاعر أنس الدغيم في تصريحه لـ”الثورة” عن عمق الأثر الذي تركه ملتقى الكتّاب السوريين في النفوس، واصفاً إياه أنه أكثر من مجرّد فعالية ثقافية، بل إعلان عن ولادة أفق جديد للكلمة السورية. وقال الدغيم: “هذا ما كان ينتظره السوريون والكتّاب السوريون، هو ملتقى للجمال وللأدب وللفن وللشعر والسحر، يفتح نوافذ جديدة على مساحات خضراء من الجلال والجمال.. لهذا كان الكتّاب السوريون هنا وبقوة، لكي يقولوا إننا عدنا لنفتح طريقاً جديدة إلى جمال جديد وإلى غدٍ أجمل”، مضيفاً: “هذا الملتقى كان بالتعاون بين وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب، لنقول: إن الأدب شراكة، وإن الحب هو أن نجتمع، وإن الشعر هو أن نكون معاً، هذا هو ملتقى الكتّاب السوريين.”
ملامح وطنية سورية جامعة
ليس دور المثقف ترفاً فكرياً في زمن الجراح، بل ضرورة وطنية تمسّ صميم اللحظة السورية الراهنة، بهذه الرؤية، لفت الكاتب الأستاذ جورج صبرا في حديثه لـ”الثورة” عن مسؤولية المثقف في تعزيز السلم الأهلي، مشيراً إلى أن غيابه من هذا الدور يفتح الباب أمام الفراغ والانهيار، وقال: “إذا لم يكن للمثقف دور في تعزيز السلم الأهلي، فمن الذي سيقوم بذلك؟ المثقف هو القادر على اختراق الحواجز الطائفية والمذهبية، وهو من يسمو فوق العصبيات الضيقة، ويصوغ ملامح وطنية سورية جامعة”.ولم يكن صبرا يطلق أحكاماً نظرية، بل استعاد سيرة التضحيات التي قدّمها كثير من المثقفين السوريين قائلاً: “في بلادنا، ثمّة مثقفون قدّموا من أعماقهم، بعضهم أمضى عشرين عاماً في السجون السورية من أجل كلمة حق، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بالعمل الوطني؟”.وختم صبرا مؤكداً: “لا شك أن للمثقف السوري دوراً محورياً اليوم في مداواة الجراح، وفي سدّ النوافذ أمام الحمقى الذين يحاولون تخريب التاريخ السوري والإضرار بحياتنا المعاصرة.”
طلاقة الحوار وتأثيره
عبّر الروائي والقاص والمسرحي محمد الحفري عن انطباعه العميق إزاء ما شهده ملتقى الكتّاب السوريين، واصفاً إياه بأنه “تفوق على جميع الفعاليات السابقة” التي نظّمها اتحاد الكتّاب العرب بالتعاون مع وزارة الثقافة، وقال:”هذه المرة الأولى التي نشاهد فيها فعالية تتفوّق على ما سبقها من فعاليات اتحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة، وجاءت أهميتها من جمعها للعديد من الكتّاب السوريين، وما خلقته من تنوّع حقيقي وحرية في الطرح والنقاش والتعبير.”وأشار إلى أن أهم ما في الملتقى كان روح الحوار التي سادت جلساته، مضيفاً: “الحوار حالة إيجابية تسمح لنا أن نسمع الآخر ونتفاعل معه، وأن يعبّر كل شخص عن رأيه بانسيابية وطلاقة، وهو ما يفتح أفقاً جديداً للتلاقي الثقافي”، منوهاً برمزية حضور الكتّاب العائدين من المغترب، لافتاً إلى أن عودة العديد من الأسماء من بلاد الاغتراب وتواجدهم بيننا يُعدّ رافداً حقيقياً للحالة الثقافية السورية.”
إرادة الثقافة أقوى
أوضحت مدير العلاقات العامة في المكتبة الوطنية صفاء كلسلي حجم التحدي الذي رافق تنظيم ملتقى الكتّاب السوريين، مؤكدة أن الفريق العامل في المكتبة وضع كل إمكاناته لإنجاح الحدث رغم الظروف الصعبة.وقالت: “كُلفنا من وزارة الثقافة بتنظيم الملتقى، وعملنا بشكل مكثّف منذ لحظة الإعلان عنه وحتى ختامه، لنظهره بهذا الشكل اللائق، ورغم عدوان الكيان الإسرائيلي الأخير، الذي فرض علينا مهاماً إضافية كإزالة الركام وتأهيل المكان، لم نتوقف عن التحضير والتجهيز لكل تفاصيل الملتقى”.وأضافت: “بذلنا قصارى جهدنا كفريق مكتبة وطنية حتى يكون الملتقى ناجحاً، حتى تظل الثقافة حاضرة ومستمرة، وتبقى المكتبة الوطنية منارة للعلم والمعرفة، وكما قال الوزير فالدفاع عن الثقافة كالدفاع عن سوريا.