الثورة – هفاف ميهوب:
“لو لم تفسدني دراستي الطبية، لتجرأت على القول، بأنه من غير الممكن أن يعمل أحدهم بشكلٍ طبيعي، إلا بعد حقنه بالمورفين!.. لتحكموا بأنفسكم، بماذا يتميز الإنسان إن كان ألمٌ عصبي صغير، جدير بأن يطرحه أرضاً؟..”.
كلماتٌ، لم يطلقها الأديب والمسرحي الروسي “ميخائيل بولغاكوف” عبثاً لطالما، كانت تجربته مع الـ “مورفين” عبارة عن حكايا، لا يمكن لقارئها إلا أن يتيقّن، من أنها تروي ما رواه في “مذكرات طبيب شاب”.. طبيب القرية الذي انتهى به الأمر إلى محاولة الانتحار، تحت تأثير المخدر والمورفين..
هي رحلة، حاصرته فيها الحياة مُذ بدايته، ومن عام 1916 حتى 1919، حيث كان يعمل كطبيبٍ متطوّع في الصليب الأحمر على الجبهة، وكانت معه زوجته الممرضة التي وصفت تلك المرحلة بقولها:
“كنت أمسك سيقان الجرحى، وهو يبترها.. كان يبتر السيقان من الصباح إلى المساء”..
يحقّ لنا أن نقول بعد قول زوجته هذا، ليس غريباً أن يتحوّل هذا الطبيب إلى مدمن “مورفين” بعد أن اضطره عمله أيضاً، للانتقال إلى المشفى الطبي التابع للمدينة التي يقيم فيها، وبالتالي استخدام مادة “خزاع الرغامى” التي سبّبت له حساسية، عجز عن معالجتها إلا بالمورفين.
فترة مؤلمة قضاها، إلى أن أقنعته زوجته بالرحيل إلى مدينة أخرى، قبل أن يفتضح أمر إدمانه أكثر، ودون أن تثنيها العزلة التي عاشها وحاول فيها الانتحار، أو حتى سعيه لإطلاق النار عليها لأنها رفضت حقنه بالمخدّر.. دون أن يثنيها ذلك وغيره، عن الاستمرار في مساعدته، وصولاً إلى شفائه الذي تفرّغ بعده للكتابة، ليكون ما قاله رغم ألمه مما اقترفه بحقّ زوجته، وحقّ نفسه:
“يملك المدمن على المورفين ميزة لا يستطيع أحد ملاحظتها.. قدرته على العيش بمفرده بشكلٍ كامل، وهذه من الأفكار الهامة والبليغة التي تقودنا إلى التأمل والطمأنينة والحكمة”.