الملحق الثقافي:فؤاد العجيلي:
في كل ركن من أركانها قصص وحكايا وذكريات في بناء جيل العلم والمعرفة، ومضى على إنشائها 98 عاماً ومازالت تنبض بالحياة تضم في خزائنها نحو 100 ألف كتاب يتحدث عن شتى مختلف العلوم، إنها دار الكتب الوطنية بحلب، والتي تناوب على إدارتها نخبة من رجالات الفكر والأدب والثقافة من بينهم الشاعر عمر أبو ريشة وسامي الكيالي وجلال زهدي الملاح وعلي الزيبق وغيرهم.
البداية بـ 100 كتاب
المدير الحالي للدار الأديب والشاعر محمد حجازي أوضح أنها مكتبة عامة ويرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1924، وتضم قاعات للمطالعة والمحاضرات ومسرحًا، وقد كلف مهام إدارتها منذ إنشائها كل من العلامة الحلبي الشيخ كامل الغزي والقس مينش، وأرسلت إدارة المجمع العلمي العربي حينذاك عدداً من الكتب لتكون نواة للمكتبة، واختير لها المكان في دائرة الأوقاف الإسلامية التي كانت في خان الجمرك بالمدينة القديمة وخصصت لها غرفتان، وعمل على إدارتها الشيخ يونس رشدي وهاشم سويد، ولم يكن عدد الكتب المكتبة آنذاك يتجاوز 1500 كتاب وكانت نفقاتها من المجمع العرب، والذي ظل يشرف على المكتبة ويزودها ببعض الكتب والنفقات الضرورية ورواتب الموظفين حتى عام 1937، حين وضع حجر أساس لبناء دار الكتب الوطنية في موقعها الحالي في ساحة باب الفرج بجهود من الأمير مصطفى الشهابي، محافظ حلب آنذاك، والذي أصبح فيما بعد رئيساً للمجمع العلمي العربي، والتي اكتمل إنشاؤها في نهاية عام 1939، غير أن افتتاح المبنى تأخر بسبب الحرب، فقد احتل الفرنسيون المكان وجعلوه مقراً للدفاع المدني ثم احتلها الإنجليز ودام احتلالها حتى نهاية الحرب.
من البلدية إلى الثقافة
وأضاف حجازي أن المبنى تم تدشينه يوم الثلاثاء 4 كانون الأول 1945، وقد تحدث يوم التدشين الشيخ راغب الطباخ عن المكتبة وعن تاريخ المكتبات عند العرب، وعند انتقال الدار، كان عدد الكتب نحو ستة آلاف كتاب تقريباً، وقامت البلدية بتأثيث قاعة المحاضرات وقاعة المطالعة وابتاعت الخزائن الحديثة لقاعة ومخزن الكتب من ستراسبورغ بفرنسا، وهي تتسع لمئة ألف كتاب، ودامت رعاية البلدية للدار حتى أواخر عام 1954، حين ألحقت بوزارة الثقافة ولا تزال حتى تاريخه.
حاضنة لكبار الأدباء
وأشار مدير الدار إلى أنه حظيت بزيارة الكثير من أعلام الأدب العربي، حيث أقاموا فيها أمسيات ثقافية ومحاضرات، ومنهم الشاعران اللبنانيان بشارة الخوري (الأخطل الصغير) وأمين نخلة والأدباء المصريون طه حسين وأحمد أمين وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) وعباس محمود العقاد ومحمد حسنين هيكل ومحمد مندور وأمين الخولي والشيخ محمد أبو زهرة وأمينة السعيد ودرية شفيق، كما استضافت أيضًا المؤرخين والشعراء والأدباء نقولا زيادة وفؤاد صروف وجورج طعمة وميخائيل نعيمة وسامي الدروبي وعبد السلام العجيلي وفؤاد أفرام البستاني وغيرهم.
أقسامها
وعن أقسام الدار يتحدث حجازي أنها تحتل مساحة تبلغ نحو 600 متر مربع بطابقين، الطابق العلوي ويشمل قاعة مطالعة عامة وقاعة للدراسات والأبحاث ـ أطلق عليهما اسما عمر أبو ريشة وخير الدين الأسدي ـ ومخزنًا للكتب، أما الطابق السفلي فيضم مسرح المكتبة الذي يتسع لنحو 300 شخص، وتقام فيه المحاضرات والفعاليات الأدبية والثقافية، وقُدّمت على خشبته الكثير من المسرحيات، قام بتمثيلها كبار الفنانين الذين لم تخرِجّهم المعاهدُ المسرحية، بل مارسوا ذلك هواية وتدريباً، وأنشأ نصوص تلك المسرحيات عدد من الأدباء من حلب وغيرها من المدن السورية التي نهض فيها الفن المسرحي منذ أربعينيات القرن الماضي، بعضها مؤلف، وبعضها معرّب أو مترجم. لافتاً إلى أن أول مسرحية قُدمت على مسرح هذه الدار هي مسرحية عطيل.
قاعات متنوعة
وفيما يتعلق بالمكتبة وخزائن الكتب يؤكد مدير الدار أنها تضم مئة ألف كتاب، ثلثاها باللغة العربية والثلث الآخر باللغات الأجنبية (كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والتركية والعثمانية والروسية والإيطالية والإسبانية) إلى جانب ثروة وثائقية من الصحف والمجلات السورية والعربية النادرة، وعدد من المكتبات الخاصة التي أهديت إليها خلال حياة أصحابها أو بعد وفاتهم، كمكتبة خير الدين الأسدي، وتستقبل الدار الباحثين وطلبة الجامعات، ويتباين عدد زائري المكتبة تبعًا لفترات العام، ففي الموسم الدراسي بالجامعات والمعاهد يصل عدد مرتادي المكتبة إلى نحو 400 شخص يومياً، لكنه ينخفض خلال فصل الصيف، وعندها يقتصر تقريباً على الباحثين وطلبة الدراسات العليا.
عطاء متجدد
تعرضت في الحرب الظالمة على سورية إلى أضرار جسيمة في الأثاث غير أن الكتب تمت حمايتها بطرق مختلفة ولم تخسر المكتبة سوى عدد قليل جداً خلال الحرب، وقد تم ترميمها على مرحلتين حتى تم افتتاحها بحضور وزيري الثقافة والسياحة ومحافظ حلب وأمين فرع الحزب وحشد من الأدباء والفنانين.
التاريخ: الثلاثاء8-2-2022
رقم العدد :1082