الثورة – ترجمة ختام احمد:
يدير الثنائي الأنجلو أميركي الأحداث التي تجري في أوروبا والهدف المعلن عنه هو “تحرير” الاتحاد الأوروبي من اعتماده “الاستبدادي” على الغاز الطبيعي الروسي.
في الواقع الهدف غير المعلن هو الحفاظ على سيطرة الولايات المتحدة الاستبدادية على أوروبا، هذه السيطرة ضرورية لدعم الهيمنة الأمريكية والقوة العالمية والثمن النهائي هو الخراب والدمار الاقتصادي وكل شيء فقط من أجل الهيمنة من قبل الحليف الأمريكي.
هذا الأسبوع أظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن مكانته الأعلى عندما تحدث بغطرسة للمستشار الألماني أولاف شولتز في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، سُئل بايدن عن مصير خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 من روسيا إلى ألمانيا في الحدث الافتراضي لغزو أوكرانيا من قبل روسيا، لم يترك بايدن لحظة من أجل التشاور مع الزعيم الألماني بل أكد بشكل قاطع أن مشروع الغاز سينتهي، قال بايدن دون تردد: “لن يكون هناك نورد ستريم 2 سننهي ذلك”.
كان تأكيد قدرة واشنطن المفترضة على تجاوز السيادة الأوروبية عرضاً كاشفاً ومقلقاً للغطرسة الإمبريالية الأمريكية، قادت واشنطن ولندن تصعيد التوترات الجيوسياسية باتهامات لا هوادة فيها بأن روسيا على وشك غزو أوكرانيا وتعريض الأمن الأوروبي للخطر.
من الطريقة التي ابتكرتها الدعاية الأنجلو أمريكية قد يعتقد المرء أن السيناريو هو إعادة للعدوان النازي الذي يهدد أوروبا التي هم وحدهم المدافعون النبلاء عنها، بوتين هو هتلر، والكرملين هو الرايخ الثالث، والدبلوماسية هي التهدئة، هكذا تذهب الدعاية المنافية للعقل.
قالت موسكو مراراً وتكراراً إنها لا تعتزم غزو أوكرانيا، وأن روسيا هي في الواقع مهددة من قبل حلف شمال الأطلسي العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة بعد توسع الكتلة سنوياً على طول الطريق إلى حدود روسيا.
في تصعيد التوترات بشكل أكبر، تطالب واشنطن ولندن بضرورة أن تتبنى أوروبا عقوبات صارمة ضد موسكو بما في ذلك الالتزام بالتخلي عن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 من روسيا إلى ألمانيا الذي استغرق خط الأنابيب هذا خمس سنوات واستثماراً بقيمة 10 مليارات يورو حتى يكتمل على الرغم من الاعتراضات الأمريكية المستمرة، لقد كفلت الأزمة بشأن أوكرانيا التي أثارتها واشنطن وفشلها البريطاني تعليق إمدادات الغاز على مدار الأشهر الستة الماضية على الرغم من أزمة الطاقة في أوروبا.
ما يريد الثنائي الأنجلو أميركي رؤيته أخيراً هو إلغاء مشروع الغاز بأكمله، هذه هي اللعبة النهائية حتى لو كان ذلك يعني تجميد الأسر الأوروبية لفواتير الغاز غير مستحقة الدفع فهم لا يهتمون لمواطنيهم.
لهذا السبب يبذل الأمريكيون والبريطانيون قصارى جهدهم لإفشال أي جهد دبلوماسي لتهدئة الأزمة المستعصية مع روسيا بشأن أوكرانيا، ومن هنا تقوم واشنطن ولندن بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا وتنشر المظليين في أوروبا الشرقية في محاولة متهورة لتصعيد المواجهة.
أثناء زيارته للبيت الأبيض هذا الأسبوع انغمس المستشار شولتز في مطالب ملحة بالقول صراحةً إن مشروع نورد ستريم 2 سيتم استبعاده “إذا غزت روسيا أوكرانيا”، وادعى أن ألمانيا والولايات المتحدة متحدتان.
بالرغم من هذا هناك شعور واضح بالضيق بين الأمريكيين والبريطانيين بأن برلين ليست معادية بما فيه الكفاية لروسيا، وبالمثل، عندما ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موسكو هذا الأسبوع لإجراء محادثات دبلوماسية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان هناك أيضاً شعور واضح بالضغينة من واشنطن ولندن بأن “إجماعهما” العسكري قد تم تقويضه.
ليس هناك شك في أن برلين وباريس تعرفان أن التبجح الأنجلو أمريكي هو استفزاز ساخر يوقع “بنبل” على مذكرة انتحار نيابة عن أوروبا في حالة نشوب حرب مع روسيا.
وهناك تجربة سابقة بين فرنسا وأمريكا العام الماضي حول عقد الغواصة AUKUS بقيمة 50 مليار يورو التي ثبتت القول إنهم يسعون إلى الهيمنة على أوروبا.
خلاصة القول هي أن واشنطن تريد تخريب الشراكة الاستراتيجية بين أوروبا وروسيا لتجارة الطاقة والتطبيع العام للعلاقات، وتتمثل الأهداف في الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة، وبيع غازها الأكثر تكلفة إلى أوروبا، وبالطبع مبيعات لا نهاية لها من الأسلحة لأعضاء الناتو في حالة اضطراب دائم من انعدام الأمن.
كما كان البريطانيون دائماً في هذا الموقف لأنهم يتقربون من العم سام ويخدمون وظيفتهم المعتادة المتمثلة في كونهم الخادم الجيوسياسي للقوة الإمبريالية الأمريكية.
يعرف محللو الطاقة أن ألمانيا وأوروبا لا تستطيعان الصمود اقتصادياً من دون الغاز الروسي، الذي يمثل 40 ٪ على الأقل من استهلاك القارة، حتى بايدن في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض لم يستطع التظاهر بأن الولايات المتحدة كانت قادرة على استبدال الإمدادات الروسية.
إذا تعطلت تجارة الغاز الروسي إلى أوروبا بسبب الصراع أو فرض عقوبات أعمق، فإن التداعيات على اقتصادات الاتحاد الأوروبي ستكون مدمرة، و ليس هناك من سبيل لألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي أن تعيش من دون النفط والغاز الروسي، إن مطالبة الولايات المتحدة وبريطانيا بأن تدلي برلين ببيانات نهائية حول إلغاء نورد ستريم 2 هو شكل من أشكال الإكراه والابتزاز.
لكن الخطر الجهنمي هو أن واشنطن ولندن تدفعان أوروبا والعالم نحو هاوية مع روسيا، هذا هو مدى شيطانية الإمبريالية الأنجلو أمريكية الفاشلة.
بقلم: فينيان كننغهام
المصدر:
Strategic Culture