الثورة – تحقيق – ثورة زينية:
مع زيادة ساعات التقنين التي اختصرت ورود التيار الكهربائي لأقل من خمس ساعات يوميا حتى داخل العاصمة دمشق، تفاقمت معاناة المواطنين في هذا الشتاء الذي زادت قسوة برودته من الطين بلة.
الخيارات التي لجأ اليها المواطن سواء في سكنه أو منشأته هي الأخرى كانت سببا آخر للمعاناة.
فالبدائل التي اختارها المواطنون بداية لم تعد مجدية في مجاراة التقنين الذي وصل احيانا لاكثر من ٦ ساعات مقابل ساعة متقطعة وصل ،فساعات الاستهلاك أكبر من ساعات الشحن بأضعاف، الأمر الذي تسبب بعدم قدرة البطاريات على الشحن في هذا الوقت القصير جدا،كما أن انخفاض امكانية توليد الطاقة من الضوء والشمس في فصل الشتاء جعل أنظمة الطاقة الشمسية أو الكهروضوئية التي تم الترويج لها وانتشارها بشكل معقول عديمة الجدوى.
*الطاقة الشمسية غير مجدية..
المهندس “رامي حبال” أحد المتخصصين في مجال تركيب منظومات الطاقة الشمسية اشار الى أن جميع من قاموا بتركيب منظومة الطاقة الشمسية صدموا من عدم فاعليتها في فصل الشتاء، فقد كان من المفترض أن تنخفض قدرتها 30% فقط بغياب الشمس، لكن تبين أن معظمها انخفض 80% إضافة إلى تعطل بعضها نهائياً نتيجة الأمطار والرياح، مضيفا أن بعض الألواح تتوقف عن العمل عند نزول المطر، وبعضها لا يعمل في الضوء نهائياً، والبعض الآخر تحطم بفعل الرياح و باتت الطاقة الشمسية غير فعالة في فصل الشتاء المعروف أنه أطول من الصيف ما يعني ضياع ملايين الليرات على البعض لاسيما أصحاب الفعاليات الصناعية بالدرجة الاولى، وهذا ساهم في عودة المواطنين والفعاليات وأصحاب الورش بالبحث عن بدائل تناسب قدرتهم المادية من جديد، فإما البطاريات لمن ليس لديه قدرة شرائية ومادية كافية أو المولدات الكهربائية بأحجام مختلفة.
*العودة للمولدات وضجيجها..
وهذا ماحدث بالفعل في العاصمة تحديدا حيث كان الحل الأفضل مولدات الكهرباء التي تعمل على البنزين صغيرة ومتوسطة الحجم ولا يمكن للأسر في المنازل تشغيل المولدات لساعات طويلة نتيجة المصروف الكبير من البنزين، إضافة إلى ارتفاع ثمن قطع الصيانة في حال الاستهلاك المرتفع، ويضاف إلى ذلك إزعاج الجوار بالصوت واحتمالات الشكوى من الجيران وتغريم صاحب المولدة بمبالغ كبيرة ،لكن المشكلة الحقيقية التي بات يشكو منها سكان العديد من أحياء العاصمة هو ازعاج المولدات الضخمة للمنشآت والمطاعم والمقاهي.
*غيض من فيض الشكاوى
وشكا ساكنو الأبنية المطلة على نادي “الوحدة الرياضي” بحي المزرعة معاناتهم المستمرة من ضجيج المولدات وخصوصا في الليل بعد الساعة الواحدة صباحا ،حيث أن مستثمري منشآت النادي لايتقيدون بالوقت المخصص لإغلاق منشآتهم بل تبقى مفتوحة الى حوالي الساعة الثالثة صباحا كتأجير ملاعب وصالات البلياردو .
حتى أنه وبحسب شكوى المواطنين القاطنين في المنطقة فإن المطعم الذي يصدر منه الازعاج (غ.ر) لديه مولدة ديزل يستخدمها حتى أوقات متأخرة من الليل مع العلم أنه بإمكانه نقلها لقبو او لمكان آخر ، واكدوا أنه رغم رفع العديد من الشكاوى إلا أن المخالفات لاتزال قائمة والمعاناة مضاعفة بقطع الكهرباء من جهة وضجيج المولدات العالي من جهة اخرى (فعلى اي جنبيك تميل ايها المواطن )؟!!!.
*من دون كاتم صوت ..
كما شكا عدد من المواطنين من ازعاج كبير لمولدة تم وضعها على سطح احد الابنية في منطقة الميسات بجانب مطعم بوز الجدي حيث تعود لمعهد خاص: وتتسبب بازعاج للسكان بصوتها العالي بالإضافة لرائحة المازوت حيث تم وضعها على سطح البناء دون كاتم صوت.
*رائحة المازوت وازعاج للسكان..
اضافة لشكوى اخرى من مواطنين حول وجود مولدة ذات ضجيج عال في منطقة القابون بالقرب من مقر الشرطة العسكرية تعمل ليل نهار دون توقف ورائحة المازوت المنبعث منها يجبر السكان على اغلاق النوافذ طوال الوقت.
*معاناة بغياب الحلول..
شكاوى كثيرة لايتسع مقالنا هذا لسردها كلها لتبقى المعاناة قائمة بغياب الحلول والاستراتيجيات الصحيحة في حالات الطوارىء وعدم نجاعة الحلول الاسعافية التي زادت في أحيان كثيرة من معاناة مواطنينا الذين أتعبتهم هذه الحلول المجتزأة أكثر من ظروف الحرب الظالمة نفسها عليهم .
*تباين الآراء ..
وخلال لقائنا مع عدد من المواطنين القاطنين في مدينة دمشق تباينت الاراء بين منزعج ولامبال.
المهندس “أكرم جابر”: لم تعد البطاريات تفي بالغرض بتوفير الطاقة البديلة حتى للانارة بعد أن باتت ساعات قطع الكهرباء تزيد على 16 ساعة يوميا، والوصل يقل أحياناً عن أربع ساعات الأمر الذي اجبر الكثير من المواطنين على العودة للمولدات أو الاشتراك في مولدات الأحياء، التي تمدهم بالكهرباء عدة ساعات يومياً.
واكد “جابر” أن المولد الكهربائي تسبب له بمشاكل مع الجيران فهو يصدر ضجيجاً ودخاناً كما أنه يحتاج لنحو اكثر من ١٠ الاف ليرة ثمن وقود يوميا لتشغيلها عدة ساعات فقط لإنارة المنزل وتشغيل بعض الأجهزة الخفيفة، وشحن البطاريات، وهو بذلك يحل مشكلته بشكل جزئي.
*إزعاج وإرهاق مادي..
المواطن “عزيز جرعتلي” اكد أنه في أوقات أخرى تنفد البطاريات، وفي كثير من الأحيان يصيبه الضجر فيشغل المولد لمتابعة التلفاز، وهذا جعل المولد الكهربائي رفيقاً قسرياً لعائلته رغم المشاكل التي يتسبب بها له وتمنى الا تطول ازمة الكهرباء أكثر فأكثر، ويضطر للاعتماد على المولد لفترات طويلة، ما سيرهقه مادياً، ويسبب له الإزعاج والمشاكل الصحية نتيجة الدخان المنبعث منه.
*دون حسيب أو رقيب..
السيدة الستينية “ام فتحي” تقطن في منطقة الشعلان بدمشق تقول : إنها باتت تتحسس من دخان المولدات الذي أصبح يطاردها في كل مكان، خاصة في السوق، فمعظم أصحاب المحال التجارية باتوا يشغلون مولدات معظم ساعات النهار وساعات من الليل دون حسيب اورقيب .
*المهم رؤية النور..
المهندسة “نبال زينية” التي تسكن في الحارات القريبة من منطقة سوق الشعلان قالت : الإزعاج الذي تسببه المولدات الموجودة في المنطقة لم يعد حتى صوتها مزعجا لنا ونحن في دوامة الانقطاع المستمر للكهرباء التي اوقفت معظم شرايين الحياة فلم يعد بالنسبة لي كشخص هذا الازعاج مهما ، المهم ان نرى النور ينبعث من الامكنة والشوارع والمنازل .
“وائل” صاحب محل كوكتيل بمنطقة الدويلعة قال : لولا وجود المولدات الكهربائية لما كنا قادرين على العمل والكثيرون بدؤوا بتقبل فكرة ازعاجها رغم اننا نحاول الالتزام قدر الامكان بالاغلاق قبل الساعة ١٢ ليلا لعلمهم ان مثل هذه المحلات تساهم في تأمين لقمة العيش لعائلات من يعمل فيها وسط هذا الغلاء الفاحش الذي بات يقصم الظهور .
امجد تنبكجي من سكان الجسر الابيض: لقد وصلت معاناتي مع ضجيج المولدات حتى أبواب الشرطة وقمنا بتسوية الأمر بوضع كاتم للصوت خفف قليلا من صوتها لكن الازعاج بقي من جيران اخرين وباب الشكوى سيبقى مفتوحا على مصراعيه طالما بقيت ازمة الكهرباء موجودة حتى ان تلك الشكاوى اثرت على الكثير من العلاقات الاجتماعية بين سكان الحي للأسف.
*أصحاب المحال التجارية..
وخلال جولتنا في سوق “الحميدية” الذي ضج بأصوات المولدات الكهربائية وروائحها النفاذة التي اجبرت الكثير من رواد السوق على وضع ايديهم على انوفهم او تثبيت كمامة الكورونا بشكل جيد كي يتجنبوا تلك الروائح الضارة ولكن أصحاب المحال التجارية أكدوا لنا انه لولا هذه المولدات لأغلقت أبواب العيش في السوق، معتبرين أن الإزعاج امر عادي وخصوصاً أنها منطقة سوق أساساً والعالم تريد أن تعمل، ولا أحد يريد أن يقطع رزق أحد.
*محافظة دمشق:شروط لوضع المولدات..
عضو المكتب التنفيذي المختص بمحافظة دمشق المهندس “مازن غراوي” بين ان هناك قرارا للمكتب التنفيذي يسمح بوضع المولدات الكهربائية للفعاليات الصناعية والمحلات والمنشآت وفق شروط معينة تتعلق بوضع المولدة على عجلات وبمكان مخصص لها كمكان السيارات، كما توضع المولدة ضمن إطار معين يمنع التشوّه البصري والتلوث البيئي و يقي الجوار من الصوت والرائحة كما ان هناك لجنة من مديرية شؤون البيئة، تشرف على الشروط البيئية، وفي حال تحققت تلك الشروط فبإمكانه الحصول على رخصة للمولدة من قبل المحافظة، تؤهله لوضعها مؤكدا أن المحافظة تتلقى جميع الشكاوى، ومن ثم تتحقق من صحة الشكوى بإرسال لجنة تنظر في مدى تحقيق الشروط المطلوبة لوضع المولدات الكهربائية .
واشار إلى أن زمن استخدام المولدات في المنشآت والمطاعم والمقاهي مرتبط بساعات الإغلاق التي حددتها محافظة دمشق شتاء حتى الساعة ١٢،واي تجاوز في تشغيل المولدة لهذا الوقت هو مخالفة صريحة تستوجب ضبطها.
*تعقيب المحرر..
الحل اليوم لهذه المشكلة الذي قد لا يكون صعبا في حال كان هناك ارادة وإبعاد لعوامل الفساد التي تجعل الميزان يرجح لكفة بعض هؤلاء المخالفين على حساب صحة المواطن الجسدية والنفسية.
وبانتظار اجتراح الحلول ورسم سياسات خدمية بشكل علمي تراعي كل عوامل التغيير التي قد تطرأ في أي مكان او زمان ورفد الطاقة بمشاريع ناجعة ،ستبقى معاناة المواطن مستمرة ويبقى ضجيج المولدات عاملا لتسيير الحياة لاعامل رفاهية فقدناها حتى في رؤية الكهرباء لساعة واحدة منتظمة.