الثورة – حسين صقر:
لو يعلم الولد كم يعاني أهله حتى يجد نفسه يافعاً ثم شاباً ثم رجلاً، لقرر أن يصنع لهم التماثيل في كل مكان يرتاده، وذلك منذ بدئه الحبو والنطق، ثم ذهابه إلى الروضة وبعدها المدرسة ثم الجامعة، وحتى في بيته بعد الزواج.
ما دعا لهذا الموضوع مشاهد الأهل وهم يتوجهون صباحاً إلى الروضات والمدارس كي يوصلوا أبناءهم، وفي مشاهد أخرى هؤلاء النسوة اللواتي يحملن أطفالهن إلى أماكن عملهن مصطحبين إياهم لعدم وجود من يهتم بهم في المنزل اثناء ذهابهن إلى العمل أو الوظيفة.
وبعد كل هذا العناء يأتي أحدهم، أو تأتي إحداهن ويقول أو تقول: أمي أنت قاسية وكذلك أنت يا أبي.
والسؤال ..هل عشت أو عشتِ من قبل هذا الموقف الظالم جداً حيث يتحامل عليكم أبناءكم الذين قطعتم من أجلهم من الضعف قوة حتى شبوا وكبروا وأصبحوا في الجامعات وأماكن العمل وتقلدوا مناصب، وقدمتم لهم كل ما بوسعكم، لا بل أكثر، ويلومونكم على أمور خارجة عن السيطرة وليست في اليد، وربما لا أساس لها من الصحة؟
مايحصل اليوم ولاسيما في ظل التباين الطبقي والفروق المعيشية أن يأتي أحد من هؤلاء ويلوم ويتذمر ولايقبل النصيحة، فهذا بالتأكيد ليس سلوك أناس مدركين واعين لظروف أهلهم، بل سلوك أشخاص متهورين لا يرون أبعد من أصابعهم.
ففي الواقع أيضاً، هذا ليس سلوك أطفال مدللين، بل سلوك أناس لديهم القدرة الكبيرة على إيجاد فرص مختلفة للانتحاب بوجوه حزينة وبائسة تجبل حبات العرق بالدم بالخبز حتى تؤمن حاجات هؤلاء المتهورين.
والسؤال كيف يمكن ألا نشكك بأنفسنا أننا غير قادرين على مواجهة هؤلاء رغم تأمين كل الحاجات المقدور عليها لهم؟ و هل نحن المذنبون لأننا قدمنا لهم كل ما يطلبوه رغم صعوبة العيش وضنكه والمعاناة في تامين المتطلبات؟ وهل وهل وهل؟؟؟!
أحدهم يشرح معاناة أم جاءت إلى المدرسة شاكية عن سوء سلوك ابنتها التي لايعجبها العجب، تقول: ماذا أفعل بعدئذ؟ بعد أن أخذت نفساً عميقاً، ما يسبب الألم وتسأل: فقط لأننا قدمنا كل ما نستطيع هكذا يقابل أبناؤنا الإحسان والمعروف، نعم إنه واجبنا نحوهم، ولكن لنا حقوق الشكر عليهم، فنحن لانطلب المستحيل، بينما هم يطلبونه.
وقالت أحاول على مضض تقبل انفعالاتها، لكن هل تقبل هي انفعالاتي؟
وغيرها جاء شاكياً على ولده وغيره هم كثيرون، فعقوق الأبناء بلغ حداً لايطاق.
هناك من يتحدث عن عقوق الوالدين، لابد أن ذلك موجود، ولكن بدرجاته الدنيا أمام عقوق الأبناء الذي بلغ فيه السيل الزبى.
وفي هذا تقول الاختصاصية النفسية سعاد دبيات: إن بعض الأبناء ومهما قدمت لهم يشعرون بالقلة، وعدم الاكتفاء، خاصة وإذا اعتادوا تلبية الحاجات والمتطلبات، ولهذا من الضروري حجب بعض تلك المتطلبات عن الأبناء حتى لو كانت متوافرة، وذلك كي يشعر الولد بقيمة الشيء عندما لايحصل عليه.
وأضافت هناك بعض الأولاد لا يكتفون مهما أغدقت عليهم، وعلى العكس دائماً يطلبون المزيد، ولو جربوا الحاجة مرة لما تمادوا في طلباتهم، لأن العطاء المستمر يولد الكسل، ويعوده الاعتماد على الغير، وقالت بعض الأمهات ولاسيما في شهور وأيام الامتحان والانقطاع، لا يتركون وسيلة إلا ويوفروها لأولادهم حتى الاستيقاظ، فتعمل الأم او الاب منبهاً وتأتي النتائج عكس ما يتمنون، وقالت لابد من توفير الأجواء المناسبة وتأمين الحاجات لكن باعتدال، لأن ذلك يعزز الثقة بالنفس ويجعل هذا الولد او ذاك معتمداً بعض الشيء على نفسه.