الملحق الثقافي – علم عبد اللطيف:
يبتغي البنيويون تبنّي المنهج العلمي الذي يقوم على البدء بالتجربة الفردية داخل النصوص للوصول إلى قوانين عامة يُعاد بعد ذلك تطبيقها على الحالات الفردية المماثلة، هذا هو منهج العلم والعالم كما يقولون فهم يريدون عن طريق تحليل البُنى الصغيرة داخل النص للوصول إلى بُنى تحكم علاقات النص، ثم إلى بنى كليّة يمكن تطبيقها على نصوص أخرى، هذا ما تقوله الناقدة البنيوية (سيزا قاسم) في دراستها عن (السيموطيقا).
إن مناقشة العلامات المكونة للنص الأدبي من وجهة نظر سيزا قاسم، تتم على أساس أنها تتألف وتتسق طبقاً لقوانين محددة، فلا بد من تحليل تلك العناصر والكشف عن ماهيتها، وقد يؤدي هذا التحليل إلى استخلاص العلاقات التي تربط هذه العناصر بعضها بعضاً، أي إلى معرفة النظام الكامن وراء النص الأدبي.
في كل الحالات يرى بعض النقاد.. (د . عبد العزيز حمودة).. أن النص يختفي عند البنيويين وراء لغة نقدية تلفت النظر إلى نفسها باعتبارها إبداعاً جديداً، ويصلون مع التفكيكيين إلى نتيجة واحدة، حيث لا اعتراف بالنص أصلاً، وربما يكون الناقد الأميركي المصري الأصل (إهاب حسن).. من أبرز نقاد الحداثة، حيث سيطرت أفكاره عن التلقي لفترة غير قصيرة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى منتصف الثمانينات منه، فهو يقدم نموذجاً مفصلياً يقف بين البنيوية والتفكيك، الجانب البنيوي عنده يؤكد التركيز الجديد على (الميتا لغة) ويقدم (الميتا نقد) الذي يلفت النظر إلى نفسه بشكل لافت، كما في تحليله المعروف لرواية (فنجانزويك).. للكاتب الأيرلندي (جيمس جويس)، أما الجانب الآخر فهو ينفي النص الثابت الذي يمتلك مرجعية ثابتة يعود إليها النقد، وهو بهذا كان يمهد الطريق للتفكيك، رغم الاختلاف بين البنيوية والتفكيك في الوسائل والغايات، لكنهما تلتقيان حول (موت المؤلف) واختفاء النص، فالبنيوية تدعو لإنشاء نقد جديد أكثر جذباً من النص المبدع ذاته، أما التفكيكية فتُلغي النص وتقتل المؤلف وتواريه التراب كما يذهب (حمودة)، والمسافة بين المدرستين في هذا ليست واسعة، وربما لا وجود لها أصلاً
يقول (جفري هارتمان)، وهو أحد أعمدة التفكيك الأميركي، في مقال لا يختلف في لغته عن لغة البنيويين:
(يمكن للتعليق الأدبي أن يعبر الخط ويصبح أساسياً، له نفس حقوق الأدب، هو لون لا يمكن التنبؤ به، وغير ثابت، لون لا يمكن تحديد تبعيته بصورة مسبقة لوظيفته المرجعية أو التعليقية، لكن يجب أن تصل قوة النقد إلى درجة لا يصبح معها المقال النقدي مكملاً لشيء آخر، يجب أن يحدث انقلاب يصبح معه هذا العمل الثانوي عملاً أولياً..)
ينطلق البنيويون، والتفكيكيون أيضاً من مبدأ قديم جديد في آن، هو إنكار القصدية، ويقصدون بها أن النص تجب دراسته بمعزل عن قصد المنشئ، والقول بانتفاء القصدية يقع حقيقة في صميم مشروع التفكيك، ويمثل ذروة فكر النقاد الجدد..(اليوت).. ومدرسته، وقد شاع استخدام نفي القصدية منذ استخدمه (كلينت بروكس) أول مرة عام 1954، أي قبل ظهور البنيويين ببضع سنوات، وقبل ظهور التفكيكيين بالطبع بسنوات عديدة، أن نفي القصدية يتسق مع فكر النقد الجديد والنظرية الموضوعية التي تقول بتحليل النص بعيداً عن كل من المؤلف والمتلقي، بعيداً عن قصدية الشاعر وعن أهواء وميول وقيم المتلقي المسبقة.
كان النقد الجديد في ذلك يهدف إلى تحقيق درجة من الموضوعية العلمية بالتجرد من الذات، ذات المبدع وذات المتلقي، والاحتكام فقط إلى النص في حد ذاته، لكن نقاد الحداثة، والتفكيكيين خاصة، طوروا مبدأ انتفاء القصدية إلى درجة هددت أي تفسير بالإهمال، فقصد المؤلف غير موجود في النص، والنص نفسه، كبنية متكاملة ومتصلة عبر البنى الصغيرة، لا وجود له أيضاً، وبوجود ذلك الفراغ الجديد الذي جاءت به نظرية موت المؤلف وغياب النص، تصبح قراءة القارئ هي الحضور الوحيد، لا يوجد نص مغلق ونهائي، لا توجد قراءة نهائية موثوق بها، بل توجد نصوص بعدد قراءات النص الواحد، ومن ثم تصبح كل قراءة، نصاً جديداً مبدعاً، تقول الناقدة البنيوية (حكمت الخطيب الصبان..((يمنى العيد))..) في محاولة مزج لمقولتي النقد كإبداع وغياب النص الثابت..
– نحن القراء طرف في علاقة، طرفها النص، نحن نبدع النصوص حين نقرأها، ونحن بالقراءة نقيم حياة النصوص، أو نشهد موتها.. المنهج البنيوي يتحدد كمنهج يقتصر على دراسة العنصر، كمنهج غير قادر على إقامة الجدل بين الداخل والخارج، أو بتعبير جدلي، على رؤية الخارج في هذا الداخل..
رقم العدد : 1086 التاريخ: 8-3-2022