الملحق الثقافي – سعاد زاهر:
عن بعد تابعته باهتمام، كان يلفتها شموخه الغريب وانتماؤه بما لايدع لك مجالاً للفرار من كل مامن شأنه أن يصدر إليك إيماءات مغايرة للسائد، وإن كانت تتقن فن التعاطي معه.
تجرأت على غير عادتها وراسلته، بدت تلك الرسائل ككلمات افتتاحية في كتاب فريد .. لامعنى لها..بل أعجزتها عن الوصول إلى فهم مغاير لشخصية شدتها و هزت وجدانها عن بعد.
إصرارها على التعرف إليه، جعلها على مقربة منه، بضعة كيلومترات وستكون وجهاً لوجه.
(أنا هنا) وشعرت ربما بابتسامة غامضة، أو ربما لم تلفته رسالتها أيضاً.
ولكنه أخبرها أنه في مدينة أخرى وبمجرد عودته سيخابرها.
انتظرت اليوم، ولكنها تشاغلت بما أنت لأجله أساساً..
وهاهي تتلقى اتصاله بفرح استغربته.
سوف أكون في الموعد أكدت دون أن تدري مدى صعوبة ماتقول!
ولكنها عادتها في الاعتماد على ذاتها وعنادها ومكابرتها حتى لو كانت في مأزق معتقدة بغرور أن بإمكانها التعامل مع كل المواقف.
ارتدت ملابسها بسرعة غريبة..
أصرت على ارتداء طقم كحلي ارتدته للمرة الأولى، رغم أنها تشعر حين ترتدي مثل هذه الملابس بغربة عن ذاتها.
حين قفزت بسرعة من باب المنزل حتى تستقل أول سيارة أجرة، استغربت مدى صعوبة الأمر،عاجلها ذهنها
بخطة بديلة، بينما تفكر بها هاتفها يرن.
وهي في ارتباك وحيرة لاتدري ما الذي تقوله.؟
خطر ببالها أن تهرب من الموقف كله،أن
تعتذر حتى لايرى تلك الفتاة التي لاترغب أن يراها أحد أسيرة الارتباك.
يالله ماأصعب أن نغادر أمكنتنا المألوفة.
كيف تتفكك ثقتنا ويغادرنا ضجيج كاذب اعتقدنا عبره يوماً..أننا قادرين على التحكم في المواقف كلها، بل وعلى انتزاع إعجاب زائف.
حين كان يحدثها عن الفرق بين الثقافة والمعرفة.
وأردف قوله مجيئك إلى هنا معرفة ولكنه في قرارة نفسه هل يدرك أنها قبل الاستماع إلى أفكاره كانت تائهة في الطرقات الواسعة، حتى إنها لم تعرف في لحظة يمينها من شمالها!!
هي الحياة تحايلنا وحين نقترب من ثقة ما. تفاجئنا بنفض كل ما تعلقنا به يوماً والبدء من جديد..
رغم كل لطافته في تلطيف الموقف، إلا أن الأمر بالنسبة لها
لم يكن مجرد لقاء..
فيه سر اكتشفت عبره كيف يمكن لموقف أن يرميك في الهواء دون أن تتمكن بعده من التقاط ذاتك المعتادة..
اليوم وبعد أن عادت إلى أمكنتها المعهودة، بعد أن رمت كل شيء خلفها، ومضت بعيدة عن محطات الصفا التي تاهت قربها يوماً.
لاتزال ذكرى غرابة تلك اللحظة تحفر في ذهنها وتجعل كل الأفكار الواثقة تهدأ في رأسها وكأنها عاشتها للتو..!
رقم العدد : 1086 التاريخ: 8-3-2022