الملحق الثقافي:
كان الراحل صدقي إسماعيل أول من تنبه إلى أن القارىء هو الأهم وبالتالي يجب نأخذ حكمه على النص لا حكم النقاد والكتاب ..
فقد كتب في مجلة النقاد عام ١٩٥٦ العدد ٣٣٦ قائلاً :
قلة هم الذين يكتبون عن مشكلة القارىء العربي فقد كان القرّاء العرب ولا يزالون أكثر وعياً من الكتاب العرب وأقرب إلى تذوق الإنتاج الجديد ..
ومن أقوى مظاهر هذا الوعي في القارىء العربي تطلّعه الدائم إلى الإنتاج العربي القديم وإلى التراث الغربي ..
هذا التطلع الذي عبّرت عنه دور النشر في الأعوام الأخيرة إرضاء للقرّاء فعملت على نشر التراث العربي القديم وغمرت المكتبات به وبالكتب المترجمة لأن ما أبدعه العرب القدامى وما أنتجته الحضارة الأوروبية من آثار فكرية لا يزال بالنسبة للقراء العرب الينبوع الوحيد للثقافة الصحيحة .
وليس من مظاهر الضعف كما يرى بعض الكتاب احجام القراء عن تقدير الإنتاج العربي الحديث فالواقع أن ما يكتب الآن – حينها -هو باعتراف الكتاب أنفسهم مجرد محاولات أولية تفتقر إلى محور أساسي في كلّ إنتاج فكري هو العبقرية .
فالتفتح القوي الذي يمر به الضمير العربي اليوم لم يعد يكتفي ببراعة اللفظ وسلامة التعبير …أو الأفكار والصور الجميلة العابرة التي يقدّمها له الجيّد من الإنتاج الحديث بل إنه يتطلع أبداً إلى ظهور أثر خالد ..كما يتطلع في حياته الاجتماعية إلى رجال أفذاذ ومؤسسات حقيقية سليمة.
ومادام الذين يكتبون بعيدين عن مثل هذا الإبداع الأصيل فإنهم ينبئون المشكلة الأولى للقارىء العربي .
ومن الخطأ ما يقال من أن القرّاء هم الذين يفرضون نوعاً معيناً من الإنتاج فيفسدون بذلك على الكاتب إصالته سواء في ذلك الذين يتوجهون إلى الكتابات الثورية والذين يريدون القصص الغرامية أو سواها .
فالقراء العرب مهما يكن مستوى ثقافتهم يكرهون كل تملق من هذا النوع أنهم بطبيعتهم يجنحون إلى الإنتاج القوي الأصيل الذي يفرض نفسه عليهم أياً كان نوعه .
وليس أدل على ذلك من تناولهم العابر للروايات الحديثة والمجلات والكتب التي تتناول القضايا الاجتماعية وغيرها فهي تبدو في الغالب مجرد صفحات صالحة للتسلية في حين تلبث إشعار المتنبي مثلاً وأبطال ديستو يفسكي مصادر حية للتجربة الإنسانية تتفاعل بها شخصية كلّ قارىء عربي .
وثمة اتهام يوجهه الكتاب أنفسهم إلى القارىء هو الضحالة في التفكير والعجز في تذوق الأدب الرفيع وهو اتهام جائر فعلى الرغم من أن الشعب العربي بمعظمه لا يحسن القراءة-حين كتابة النص – فإن التعبير القوي الجميل عن مشاكل الحياة الحقة التي يحياها الشعب يجد أعمق صدى في نفوس القراء. ويرغم الأميين على مجاراة أعمق المفكرين وأقوى المتذوقين للأثر الفني فالكتب الخالدة قد كتبت للناس البسطاء الذين يعيشون ويعملون بصدق وحرارة ..
رقم العدد : 1086 التاريخ: 8-3-2022