تحديات تواجه انطلاقة التجارة الإلكترونية في سوريا

الثورة – لينا إسماعيل:

تشهد التجارة الإلكترونية في سوريا إقبالاً واسعاً، خاصة بين الشباب، وذلك بعد ما حققته من أرباح مقبولة.

ورغم منعها من دون ترخيص، إلا أنها استطاعت خلال السنوات الماضية التسلل في ظل ضائقة معيشية، أفرزتها العقوبات الاقتصادية، التضخم الذي أدى إلى ارتفاع غير منطقي في الأسعار، في ظل دخل متدنٍ، وجمود في سوق العمل، ما دفع الكثير من الباحثين عن فرصة عمل للاتجاه نحو التجارة الإلكترونية، رغم ما تحمله من مخاطر.

نحو الاقتصاد الرقمي

اليوم ومع المتغيرات المحلية، التي تحاول اللحاق بركب التحولات العالمية، نحو الاقتصاد الرقمي، تجاوزت التجارة الإلكترونية حدود المحاولات الفردية، لتحقيق أرباح متواضعة، وضمن حدود ضيقة لمشاريع صغيرة، لتدخل السوق السورية من بوابة أوسع بكثير، وذلك بعد أن توجهت اهتمامات التجار وقطاع المال والأعمال نحوها.

وبحسب موقع Aftership المتخصص في تقديم بيانات حول التجارة الإلكترونية، تشير إحصائيات عام 2025 إلى وجود 146 متجراً إلكترونياً في سوريا حالياً.

وبالتالي أصبح المستهلك أمام نوعين من المنصات التسويقية، أحدهما اعتمد منذ عدة سنوات على التسويق بالعمولة، أو باستثمار رأس مال متواضع، وذلك من قبل شريحة باتت واسعة من الباحثين عن فرص عمل كما أسلفنا، وأغلبهم من النساء ربات البيوت.

والآخر دخل الأسواق مؤخراً، بقوة، وذلك في ضوء المتغيرات التي بدأ يشهدها اقتصاد السوق، وتوجهاته المنفتحة نحو العالم، ورفع العقوبات الاقتصادية، ليغرقها ببضائع متنوعة المصدر، أبرزها حمل هوية Shein الصينية، إضافة إلى البضائع التركية.

مرونة

وذلك يعود لعدة أسباب، أهمها: الثقة بالمصدر، فقد أشارت المسوقة حسناء عفاش من ريف دمشق إلى أن هناك شغفاً حقيقياً ببضاعة shein والبضاعة التركية التي شغلت الناس من خلال الإنترنت، خاصة الصبايا والشباب، لما توفره من أنواع مختلفة من المنتجات التي تتناسب مع كافة الأذواق والمقاسات حتى النادرة منها، بالإضافة إلى الجودة.

فيما حدثنا الشاب أمجد جلول عن تجربته في التعامل مع المتاجر الإلكترونية، موضحاً أنه يتم غالباً بالشحن من دول عربية، ويتيح التعامل مع الشركة الأصل من خلال إمكانية تبديل القطع، أو ردها إن كانت مخالفة للمواصفات المطلوبة، ما يوفر المرونة في التعامل ويخلق ارتياحاً لدى المستهلك والمسوق في آن معاً، لكن المشكلة هي التأخير في وصول المنتج المطلوب لمدة قد تصل إلى شهر كامل، والعمولة غالباً تكون كبيرة لمصلحة المسوق وعلى حساب المستهلك، إضافة إلى صعوبة الثقة بالوسيط الذي يطلب دفعة مقدمة من المال، وأحياناً كامل المبلغ.

مخاوف مشروعة

اللافت أن أغلب البضائع التي تصل إلى سوريا، وبكميات كبيرة، تحمل هوية shein أو الصناعة التركية، التي يعرفها السوريون جيداً، وخاصة أهالي حلب، وذلك من خلال مدينة اعزاز، البوابة التجارية التي كانت تستقبل البضائع التركية المهربة قديماً، وتستقبلها معارض تسويقية أغلبها يتوزع ما بين دمشق وحلب.

وتفسير ذلك يعود بحسب المسوق الإلكتروني عبد الرحمن قياس، إلى أنها مصدر ثقة راسخة لمنتجات ذات سمعة، ومواصفات جودة عالية، خاصة في ظل غياب التشريعات القانونية التي تنظم التجارة الإلكترونية، وتحمي حقوق المستهلكين والبائعين في سوريا، نظراً لوجود مخاوف مشروعة لديهم من المعاملات والبيانات الإلكترونية، إضافة إلى المصداقية في جودة المنتج ومواصفاته المطلوبة.

وكذلك لأن ثقافة التجارة الإلكترونية مازالت جديدة في سوريا، وأغلبها كان يعتمد على الطرق التقليدية، لكنها اليوم تفتح آفاقاً اقتصادية لا حدود لها نحو العالم.

تأثير التجارة الإلكترونية خارجياً

المستشار الاقتصادي عامر ديب أوضح لـصحيفة الثورة أن التجارة الإلكترونية تتيح اليوم بناء جسور تجارية بين سوريا ودول العالم، من خلال منصات عرض وتسويق المنتجات للمستهلكين الخارجيين.

ففي العالم العربي، شهدت المنطقة نمواً مطرداً، إذ تجاوز حجم السوق الإلكتروني في الشرق الأوسط 34,5 مليار دولار في 2024، ويتوقع أن يرتفع إلى 57,8 مليار دولار بحلول 2029 (+13 بالمائة سنوياً).
وفي نطاق أوسع، قد تبلغ قيمة السوق 80 مليار دولار بحلول 2029 بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 11.7 بالمائة.

هذا التصاعد يفتح فرصاً هائلة لتصدير المنتجات السورية، خصوصاً الحِرف اليدوية والمنتجات الزراعية والغذائية، عبر قنوات رقمية ويعزز التكامل التجاري مع الأسواق الإقليمية والدولية.

ولكن ماهي التحديات التي تواجه انطلاقة التجارة الإلكترونية في سوريا؟

الواقع المحلي والتحديات

إن التجارة الإلكترونية في سوريا تواجه تحديات بنيوية كبيرة يجب معالجتها أولاً.. وقد لخصها الخبير الاقتصادي عامر ديب بما يلي:
أولاً: يصل معدل انتشار الإنترنت إلى نحو 46.5 بالمائة من السكان، مع سرعة تحميل متوسطة لا تتجاوز 4.6 ميغابت/ ثا، ما يصنف سوريا في آخر دول المنطقة.

وبالتالي فإن غياب البنية التحتية الإلكترونية الملائمة، من ضعف شبكات الإنترنت، وخدمات الدفع الإلكتروني نتيجة العقوبات التي كانت مفروضة، وغياب بوابات دفع آمنة ومتاحة، داخلية وخارجية تشكل معوقات هامة أمام انطلاقة التجارة الإلكترونية.

ثانياً: عقبات تنظيمية وقانونية، تتعلق بالرقابة، كالضرائب، وحماية المستهلك الرقمي، ونتيجة لذلك، تبقى التجارة الإلكترونية داخل البلاد محدودة، وتجد صعوبة في الوصول إلى المستهلك المحلي، وإنجاز الأعمال بشكل سريع وسلس.

خطوات لابدّ منها

فما هي الخطوات التي يجب العمل عليها لتشجيع الاستثمار في قطاع هام وحيوي؟
أشار ديب إلى أنه لابد من العمل على:

أولاً: تحسين البنية التحتية، من رفع سرعات الإنترنت، وتوسعة رقعة التغطية، وتحسين شبكة العملات (ADSL – 3G – 4G)، لتوفير البيئة الرقمية اللائقة.

ثانياً: خلق منظومة دفع موثوقة من خلال إطلاق بوابات دفع إلكتروني محلية مدعومة، والتفاوض عبر وسيط دولي لإعادة فتح طرق الدفع الإلكترونية.

ثالثاً: تطوير اللوائح التنظيمية بما يتيح إنشاء قوانين واضحة لحماية المستهلك، وضوابط لحماية الملكية الفكرية، وتسجيل الشركات الرقمية بسهولة.

رابعاً: تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتدريب رواد الأعمال على الترميز الرقمي، التسويق عبر الإنترنت، والتصدير الإلكتروني عبر أسواق مثل أمازون وألي إكسبريس.

وأضاف: إن نمو التجارة الإلكترونية في المنطقة يصل إلى معدلات 12‑ 14 بالمائة سنويّاً، والمبيعات عبر الهاتف الذكي تصل إلى أكثر من 70 بالمائة من إجمالي التعاملات، ما يوضح تزايد العلاقة بين شبكات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية؛ إذ يعتمد 80 بالمائة من المستهلكين في المنطقة على الموبايل، و70  بالمائة منهم يصلون للبائع عبر وسائل التواصل.

وانتشار التسوق العابر للحدود، إذ يشكل 80  بالمائة من مشتريات منطقتي السعودية والإمارات بحسب تقارير، وبالاعتماد على هذه الاتجاهات، يمكن لسوريا الانطلاق تدريجياً لبناء منصة وطنية للتجارة الإلكترونية تضاهي المنافسين الإقليميين.

وأكد ديب أن التجارة الإلكترونية ليست رفاهية، بل أصبحت ضرورة في العالم الحديث، لأهمية سرعتها وقدرتها على توسيع الأسواق، موضحاً أنه رغم التحديات السورية الراهنة، فإن إطلاق سياسات داعمة لتقنيات الدفع، وتطوير البنية الرقمية، وتنظيم القطاع، يمكن أن يخلق اقتصاداً رقمياً أكثر حيوية.

وتابع: إن غداً رقميّا مبنيّاً على منصّات قوية ومتكاملة، تتجاوز استيراد التكنولوجيا إلى تصدير المنتج السوري عبر عالم الإنترنت، هو أمر في متناول اليد، إذا توفرت الإرادة الحكومية والابتكار لدى القطاع الخاص.
تجارة إلكترونية واعدة
الجدير بالذكر أنه منذ عام 2010 طالبت صحيفة الثورة عبر تحقيق صحفي أجراه آنذاك أحد الزملاء بتسريع عملية التسويق الإلكتروني، وألا نكون خارج إطار الزمن في التسويق وأنماط استهلاكنا.
اليوم- وإن كنا متأخرين، إلا أننا على أبواب نهضة اقتصادية، بدأت ملامحها من خلال خطوات وثابة، أبرزها إطلاق أول منصة رقمية “هدهد”، تهدف إلى تصدير المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية، وتعزيز حضورها الرقمي عالمياً، إذ ستعمل كبوابة إلكترونية متكاملة، لكننا نعود لنؤكد على ضرورة توفير تشريعات وبيئة ملائمة، لتكون التجارة الإلكترونية بوابة متاحة للجميع، بما فيها أصحاب المشاريع الصغيرة، وليست مقتصرة على أصحاب المال والأعمال فقط في انطلاقتهم نحو العالم.

آخر الأخبار
ثلاث منظومات طاقة لآبار مياه الشرب بريف حماة الجنوبي الفن التشكيلي يعيد "روح المكان" لحمص بعد التحرير دراسة هندسية لترميم وتأهيل المواقع الأثرية بحمص الاقتصاد الإسلامي المعاصر في ندوة بدرعا سوريا توقّع اتفاقية استراتيجية مع "موانئ دبي العالمية" لتطوير ميناء طرطوس "صندوق الخدمة".. مبادرة محلية تعيد الحياة إلى المدن المتضررة شمال سوريا معرض الصناعات التجميلية.. إقبال وتسويق مباشر للمنتج السوري تحسين الواقع البيئي في جرمانا لكل طالب حقه الكامل.. التربية تناقش مع موجهيها آلية تصحيح الثانوية تعزيز الإصلاحات المالية.. خطوة نحو مواجهة أزمة السيولة تعزيز الشراكة التربوية مع بعثة الاتحاد الأوروبي لتطوير التعليم حرائق اللاذقية تلتهم عشرات آلاف الدونمات.. و"SAMS" تطلق استجابة طارئة بالتعاون مع شركائها تصحيح المسار خطوة البداية.. ذوو الإعاقة تحت مجهر سوق العمل الخاص "برداً وسلاماً".. من حمص لدعم الدفاع المدني والمتضررين من الحرائق تأهيل بئرين لمياه الشرب في المتاعية وإزالة 13 تعدياً باليادودة "سكر مسكنة".. بين أنقاض الحرب وشبهات الاستثمار "أهل الخير".. تنير شوارع خان أرنبة في القنيطرة  "امتحانات اللاذقية" تنهي تنتيج أولى المواد الامتحانية للتعليم الأساسي أكرم الأحمد: المغتربون ثروة سوريا المهاجر ومفتاح نهضتها جيل التكنولوجيا.. من يربّي أبناءنا اليوم؟