الملحق الثقافي – ديب علي حسن:
في البدء كان الكلمة والكلمة تحيي وتميت، وهي ميثاق وبعد هذا كله نسيج اللغة التي هي الوجود الفكري، فلا فكر خارج اللغة..
ومن لايتقن لغته يعني أنه عاجز فكرياً ..واللغة بما تحمله من دلالات ثقافية وتحوكه من نصوص ومصطلحات هي موضع الحروب..
اللغة نسيج النص الذي تمتد سلطته زمناً طويلاً بل ربما تبقى خالدة حسب ما يحمله من دلالات وثراء..
إننا نعيش سلطة النص الماضي، بل تحكمنا نصوصه بما أسبغناه عليها من قداسة قد لا تكون مناسبة ..
وربما السؤال المهم:من يجرؤ على تفكيك هذه النصوص وتحليلها ..؟ ثمة من فعل لكن النتيجة معروفة..
من هنا تظهر ألوان وأنواع من النصوص التي تحكم الكثير من أفكارنا، وعاداتنا وتقاليدنا ..مات مؤلفوها، وبقيت هي تراكم عليها الكثيرون كما في ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وغيرهما من النصوص المؤلفة جماعياً.
لكن ثمة نصوص أخرى، تبدو مغلقة تماماً ما أضيف إليها من وهم القداسة يجعل الاقتراب منها من المحرمات.
وهنا علينا أن نعترف أن سلطة النص أقوى من سلطة المؤلف، وهذا واقع يعرفه التراث العربي قبل أن ينتبه إليه مفكرون ومنظرون غربيون ..الدليل على ذلك أننا نردد أقوالاً ومصطلحات وحتى الشعر ولا ننسبه إلى قائله ..نريد أن نظهر سلطة المعنى الذي يدل عليه …
وحين بدأ المفكرون الغربيون يعملون على إظهار نظرية النص بدأ التنظير الذي لم يأت بجديد، ولكنه أعاد صياغة ما نعرفه لكن دون تنظير، وعلى سبيل المثال يقول ستانلي فيش: إن القراء يخلقون معاني النصوص التي يقرؤونها وربما يكتبونها.
هذا ما يدعونا للسؤال:هل القارىء مؤلف جديد للنص أم متلق ؟ حسب سلطة النص فهو مؤلف جديد بل مصدر له بما يضيفه ويراكمه ولو بجمل وإشارات بسيطة جداً لكنها في النهاية تراكم معاني كثيرة وتختزن جينات لا تموت.
لقد مات المؤلف وعاش النص، وهذا يعني ببساطة أن ثقافة المتلقي هي التي تجعل النص ذا ثراء …ومع كل ما على هذه النظرية من ملاحظات لكنها تحمل شيئاً من الحقيقة، فكل منا يؤول ما يقرأ حسب مخزونه المعرفي ..ويعيش جماليات ما يتلقاه أيضاً حسب ثراء ثقافته.
وهذا ما أشار إليه صدقي إسماعيل في حديثه عن القارىء العربي الذي كما قال يسبق المؤلف بالفهم والتذوق والقدرة على استشراف الجمال ..
وتبقى نظرية لها ما لها وعليها الكثير لكننا معنيون بها لأننا أحياء تحكمنا الكثير من النصوص التي يجب أن يعاد النظر فيها ..
رقم العدد : 1086 التاريخ: 8-3-2022