الثورة – تحليل لجين الخطيب:
ما بين خطوط إيران الحمراء وشِباك الأزمة الروسية الأوكرانية، عاد التعقيد ليتصدّر مشهد المحادثات النووية في فيينا بين إيران من جهة، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين من جهة أخرى، وذلك بعد جرعة من الإيجابية سادت أجواء تلك المفاوضات في الأسابيع الماضية مع توقعات بحسم الملف والوصول إلى اتفاق مع نهاية شهر شباط الماضي بعد مباحثات شاقة بدأت منذ عام تقريباً، فما الذي حصل؟
قبل أسبوعين أبدت إيران تفاؤلها بشأن مسار المفاوضات النووية في فيينا، وذلك على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، الذي أكد أن المفاوضات وصلت إلى مرحلة حساسة وهامة، وهو أيضاً ما أشار إليه مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قائلاً إن “المحادثات التي تجريها طهران مع القوى الدولية الكبرى في فيينا لمحاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي قد بلغت مرحلة حرجة تتطلب قرارات جادة من الجميع”، بالإضافة إلى تسريبات تحدثت عن مسودة اتفاق نهائي يزيد طولها عن 20 صفحة.
ذلك التفاؤل الحذر الذي خيّم على أجواء المفاوضات كان رهينة أكثر من ملف أو تطوّر على الساحة الدولية، بدءاً من تمسّك إيران بشروطها وليس نهاية بالحرب الأوكرانية، فَطهران لها خطوطها الحمراء التي أكدت ولا تزال عدم تراجعها عنها، كما أن البرلمان الإيراني قد أصدر في وقت سابق بياناً تضمن شروط العودة إلى الاتفاق النووي، أبرزها أنه يتعين على الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية تقديم ضمانات بعدم الانسحاب من الاتفاق بعد إحياء العمل به، وعدم تفعيل آلية لإعادة فرض العقوبات على طهران، إضافة إلى رفع كل العقوبات الأميركية بطريقة يمكن التحقق منها.
وفي الوقت الذي تراوغ فيه واشنطن مُحاوِلة القفز فوق خطوط طهران الحمراء، يعتبر مسؤولون إيرانيون أن ضغوط واشنطن للوصول إلى اتفاق بسرعة وعدم اتخاذها قراراً حتى الآن هو ما يدفع ملف المفاوضات نحو التعقيد، فقد أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن المفاوضات “تزداد تعقيداً كل ساعة مع غياب القرار السياسي الأمريكي”.
بالإضافة إلى الشروط التي تُطالب بها إيران ضماناً لمصلحتها، يبدو أن التوتر بين روسيا من جهة والغرب وأمريكا من جهة أخرى، على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، كان حاضِراً أيضا على طاولة المفاوضات، ما اعتبره البعض عقدة جديدة يمكن أن تؤخر التوصل إلى اتفاق سريع يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، بينما يعتبره آخرون بادرة للحل من خلال الضغط على إيران لتقديم تنازلات معينة في إطار الاتفاق النووي، فيما يؤكد معنيون بمباحثات فيينا أن ما تشهده العاصمة النمساوية لن يتأثر بالعملية العسكرية الروسية شرق أوكرانيا، وهناك سابقة تدعم هذا الموقف، فقد شهد عام 2014 إعلان موسكو ضمّ شبه جزيرة القرم، لكن ذلك لم يحل دون مواصلة إيران والقوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، المباحثات النووية وتتويجها بإبرام اتفاق تاريخي في تموز 2015، أيضاً في العاصمة النمساوية.
خِتاماً، ربما يُعتبَر الوصول إلى اتفاق أمريكي إيراني نهائي، مسألة وقت لا أكثر، فإيران التي اختبرت مراوغة وغدر الأمريكي، والتي صمدت بوجه العقوبات الأمريكية طيلة السنوات الماضية، وكانت النتيجة، تطوّرها في كل المجالات العسكرية والاقتصادية والتصنيعية واستطاعت الاعتماد تقريباً بكل شيء على نفسها، لن تقبل اليوم بإعادة واشنطن إلى الاتفاق إلا بشروط وضمانات تحفظ لها مصالحها.