بقلم ظافر أحمد أحمد – إعلامي
يجد الغرب ومنظومته السياسية وماكينته الإعلامية في الحرب الأوكرانية فرصة لتسويق مقولة (الدفاع عن الديمقراطيات الغربية)، وبذلك يسّوّغ كلّ إجراءاته أحادية الجانب وكل ما يضر بالشعب الروسي وباقي الشعوب بأنّها إجراءات الديمقراطية الغربية بوجه الخطر الروسي!.
هذا الخطاب الغربي يتجسد كثيراً في تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو سياسة تنفيذية عريقة للولايات المتحدة، توظفها لتبقى الدولة المهيمنة في النظام العالمي..، فخلال الحرب الباردة كانت تسوّق صورة مخيفة للاتحاد السوفييتي وخطره على “الحضارة الغربية”، وهو ما تفعله حالياً في مواجهة باردة جديدة صريحة الوضوح ضد الاتحاد الروسي، ومعظم التصريحات الرسمية للدول التي سارت بركب الإجراءات الأميركية ضد روسيا بررت إجراءاتها بأنّها للحفاظ على سلامة أوروبا وديمقراطيتها.
فاتورة الدفاع عن “العالم الحر”!
تريد واشنطن من حلفائها في (الحضارة الغربية) تسديد نفقات مخططاتها، وبالنسبة لمخططها الأحدث في أوكرانيا ترهبهم بمقولة الخطر الروسي، وترغّبهم بواجب “العالم الحر” (أمريكا والدول الأوروبية) الذي يترتب عليه واجب معاقبة ومحاسبة روسيا على أفعالها، وهذا يفسّر الانجرار الأوروبي في تنفيذ إملاءات واشنطن..
وتتكفل المنظومة الإعلامية الناطقة باسم الغرب على مدار الساعة في ترسيخ (الخطر الروسي على الديمقراطية الغربية) كي تصبح حقيقة إعلامية جماهيرية..، ويتم تجييش الشعوب الأوروبية قبل غيرها كي تتقبل دفع فاتورة ثمن المواجهة، وبدأت الخطوات الأولى في محاولات جعل الأوروبيين يتظاهرون ضدّ روسيا، وسيكون عليهم قبول ثمن المزيد من تكاليف تطبيق العقوبات على الاقتصاد الروسي بتأثيراتها على مداخيلهم ومعيشتهم، وصولاً إلى تحقيق الحلم الأميركي في مرحلة ما بفك الارتباط الاقتصادي الروسي الأوروبي و”تحرير” الدول الأوروبية من حاجتها للغاز الروسي وتأمين بدائل من مصادر أخرى تقع تحت نفوذ واشنطن.
وبالرجوع إلى سنوات سابقة أكدت شهادات سرية لسياسيين أمريكيين تكشفت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أنّ المهمة التاريخية للولايات المتحدة يجب أن تتواصل في جعل الآخرين يدفعون نفقات أي تدخل أميركي في أي منطقة بالعالم..، وهاهو الحدث الأوكراني الملتهب يجيب حاليا على حقيقة من يدفع الثمن في منطقة سخّنتها واشنطن وتزيد في كل يوم من تسخينها؟
صناعة الخطر على الديمقراطية
يتوضح أنموذج أوكرانيا المتفجّر كنتيجة من نتائج سياسة الولايات المتحدة التي “تسيس وتسلّح الديمقراطية” عالميا لاستخدامها كأداة لتنفيذ أجنداتها على امتداد الكرة الأرضية..، فهي تواصل العمل على احتواء وتطويق الاتحاد الروسي من خلال أوكرانيا ودول مجاورة لروسيا، وكذلك تعمل على احتواء وتطويق الصين من خلال تايوان..، وكي تصل إلى مبتغاها لا بد لها من اختراع صراعات تتيح لها احتواء الدول الغربية التي عليها الاقتناع بأنّ حضارتها وديمقراطيتها تحت الخطر.
كل الحروب التي تسببت فيها مخططات واشنطن السرية والعلنية استخدمت فيها (هاجس الخطر على الديمقراطية) وتدعم عملاءها بالسياسة والسلاح لتنفيذ أجنداتها مقابل تسميتهم ضمن قوى الأحرار وقوى الديمقراطية،.. هذا ما تجسد في الغزو الأميركي للعراق وفي حرب وتآمر واشنطن على سورية، وفي الأنموذج الأحدث يتوضح أنّه مع كل خطوة في خراب أوكرانيا نتيجة انخراطها في المخطط الأميركي يزداد التصفيق للرئيس الأوكراني في كلماته وخطبه أمام الناتو أو الكونغرس وغيره على أنّه شريك في السلام ويمثل الأحرار..
وكما تسببت واشنطن بالحرب الأوكرانية نتيجة قيادتها لحلف الناتو كي يزحف إلى الخواصر الروسية، ستسبب للعالم المزيد من الكوارث طالما لديها المزيد من المناطق التي تجد فيها ضرورة لحماية الديمقراطية وتجد قوى ترخص بنفسها وأوطانها كرمى أن تصنفها واشنطن قوى حرّة وديمقراطية.