حبل الأديب السريّ..؟!

الملحق الثقافي: حبيب الإبراهيم:

ارتبط إبداع الأديب على مرّ العصور والأزمان بالمكان الذي نشأ فيه وشكّل مدارج وملاعب طفولته، وانعكس ذلك جليّاً واضحاً في حياة ومسيرة أي مبدع سواء أكان شاعراً، قاصاً، روائياً، كاتباً، أم فناناًً؟.
ويظهر تأثير المكان من خلال إسقاطات متتالية تشكل مخزوناً ثقافيّاً، فكريّاً، معرفياً، لا ينضب أبداً، فالمكان هو الحبل السريّ الذي لا ينقطع، لأي مبدع، مهما تنوعت وتعددت مجالات وميادين الإبداع لديه سواء في الأدب والفن والموسيقا و… …
هذا الارتباط العضوي والروحي يشكل هويّة الأديب والمبدع، ومنطلقه إلى الآفاق الواسعة والفضاءات الرحبة، ناقلاً تفاصيل المكان بكل ما فيه من أشياء مادية ومعنوية…
فمن يتتبع حركة الإبداع، قديمة وحديثة يجد هذه المتلازمة التي لا تنفصم بين الأديب وبيئته، والتي لا تنفك ترافقه في حلّه وترحاله، ليعكس صورة هذه البيئة بشفافية ومصداقية، ومهما حاول الأديب أن يبتعد عن المكان الذي عاش فيه فلا بد أن يجد نفسه في خضم تفاصيل وحيثيات صغيرة تشكل مشهدية صادقة لهذا الواقع، ومرآة عاكسة له سواء أكانت إيجابية أم سلبيّة ؟!.
فلو توقفنا ضمن هذا السياق عند تجارب أدباء مبدعين، شكل المكان الذي عاشوا فيه رافداً أساسياً لكتاباتهم وتجاربهم وإبداعاتهم ،بالرغم من انّهم طافوا في طول البلاد وعرضها لكن ظلّت عيونهم وافئدتهم وجوارحهم تشخص وبلهفة المحب إلى مرابع طفولتهم ومدارج صباهم ونواميس أحلامهم التي لا تنتهي…
فالأديب الطبيب عبد السلام العجيلي ابن الرقة، المدينة الصغيرة النائية، ولد فيها وعاش، وارتبط فيها ارتباط الروح بالجسد، فعندما تُذكر الرقة يُذكر عبد السلام العجيلي، وعندما يُذكر عبد السلام العجيلي تُذكر الرقة التي وهبها جلّ وقته وحياته وإبداعه، فأصبحت أيقونته واستراحته وملاذه الذي يجد فيه ذاته ونبض قلبه فاختارها مقراً ودوحاً أمضى فيه أجمل سنين عمره.
ومن يقرأ نتاجه وإبداعه يظهر جليّاً أثر البيئة الرقاوية في كتاباته وشخصياته وخاصة البيئات الريفية الفقيرة حيث شكّلت محوراً أساسياً في مؤلفاته من قصص وروايات وكتابات إبداعيّة.
لقد نقلَ العجيلي الرقّة إلى العالم، فتحولت بفضل إبداعه، من مدينةٍ صغيرة غافية على كتف الفرات، مدينة بعيدة عن العاصمة ،إلى مدينة لها حضورها البهي، وألقها الفتّان عبر قصصه وكتاباته، واسفاره ورحلاته، من خلال ترجمة أعماله ومؤلفاته إلى اللغات العالمية مثل «الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية، الألمانية »….
ولعل تاثير المكان يبدأ في مراحل متقدمة من حياة المبدع، ويستمر هذا التأثير في خط بياني تصاعدي، ليتحول معه المبدع إلى الغوص أكثر في تفاصيل المكان، عناصره …تشعباته ….مداه المستمر، فيعطي لتجربة المبدع حيوية مستمرة ودائمة …هذا الحال يدعنا نتوقف عند تجارب أدباء روائيين كبار مثل الأديب نجيب محفوض ورواياته (أولاد حارتنا، زقاق المدق، بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، خان الخليلي، حرافيش، ثرثرة فوق النيل، القاهرة الجدديدة ….) أو رواية (موسم الهجرة إلى الشمال ) للروائي السوداني الطيب صالح، أو روايات (الشمس في يوم غائم، نهاية رجل شجاع، المصابيح الزرق، الياطر ،بقايا صور،..) للأديب السوري الكبير حنا مينة، والتي عكست البحر والبيئة الساحلية بصورة دقيقة، وشكل العمود الفقري لمعظم رواياته وكتاباته الإبداعية المختلفة …. أو( مدن الملح) للروائي عبد الرحمن منيف أو …
وتطول الأمثلة، إذ يتعذر الإحاطة بهذا الجانب من خلال مقالة صحفية، أو حتى دراسة في كتاب، فالمكان في حياة وإبداع الأديب هو البوصلة الحقيقية التي تدله وتوجهه وتنقله من المحليّة إلى العالمية، فالأديب المبدع يجول ببصره وبصيرته في آفاق المكان الرحبة ناقلاً التفاصيل بمهارة فنيّة عالية وليضع القارىء أمام لوحات فنية رائعة سواء أكانت شعراً أم قصة ًأم رواية …
قولاً واحداً لا يمكن لأي مبدع أن يعيش في برجه العاجي ويقدم منتجه الفكري والثقافي بعيداً عن بيئته المحلية التي ولد فيها وعاش، وحتى يكون مُقنعاً وصادقاً وشفافاً وصاحب قضيّة ورسالة، وينحاز للفقراء والبسطاء والمهمشين، يجب أن يكون ابن بيئته، التي يتواشج فيها المكان والزمان ليكونا بوابة الإبداع التي لا يمكن أن تُغلق أبداً ….

التاريخ: الثلاثاء5-4-2022

رقم العدد :1090

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق