الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
كُتب الكثير عن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، وهو أحد الأطراف الستة للحزام الاقتصادي لطريق الحرير الصيني، يشيد المؤيدون بهذا الممر الاقتصادي باعتباره يزود باكستان بالبنية التحتية لتزدهر في القرن الحادي والعشرين.
ومع اختتام أعمال هذا الممر الاقتصادي فقد حان الوقت لتقييم تأثيره على أنماط التجارة بين الصين وباكستان، وكان أحد التغييرات العميقة هو الارتفاع غير المسبوق في صادرات المعادن من باكستان إلى الصين منذ عام 2016، وهو العام الذي بدأ فيه الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني رسمياً.
وفقاً لمرصد التعقيد الاقتصادي، قبل إزاحة الستار عن الممر الاقتصادي الباكستاني، تم تقسيم أكبر حصة من صادرات المعادن الباكستانية بين أفغانستان والصين واليابان والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، بعد انخفاضين متتاليين في عامي 2015 و 2016، زادت الصادرات بشكل مطرد منذ عام 2017، حيث ذهبت معظم المكاسب إلى بكين. نتيجة لذلك، تتلقى الصين الآن من صادرات المعادن الباكستانية أكثر بكثير من منافسيها المقربين سابقاً.
يُعزى هذا الارتفاع المفاجئ إلى الاستثمار المكثف للصين في باكستان عبر الممر الاقتصادي الباكستاني. في الواقع، أدى المشروع الذي تبلغ تكلفته 64 مليار دولار إلى تحسين الاتصال الباكستاني وإنتاج الطاقة بشكل كبير، وأعاد تنشيط قطاع التعدين في البلاد، الذي عانى من ارتفاع تكاليف النقل، وانخفاض الاستثمار، وعدم كفاية البنية التحتية.
ويُعتبر النحاس من بين المعادن التي تم تصديرها بشكل مكثف لبكين. في عام 2014 صدرت باكستان أقل من 50 مليون دولار، أما في عام 2020، تجاوز هذا الرقم 410 ملايين دولار.
بالإضافة إلى ذلك، شهد هذا التطور تحول باكستان من مستورد صاف للنحاس المكرر إلى مصدر صاف اعتباراً من 2018، وهو إنجاز لم يتحقق منذ عام 2000، بالنسبة للصين، هذا التدفق الجديد من النحاس يشكل أقل من 3 % من إجمالي الواردات، ويعالج المخاوف الداخلية بشأن الأضرار البيئية الناجمة عن إنتاج النحاس المحلي.
ومن خلال الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج النحاس، يمكن للصين الحفاظ على العرض المطلوب لتلبية الطلب المتزايد على منتجات التكنولوجيا الخضراء مثل الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، حيث يعتبر النحاس عنصراً أساسياً. بالنسبة لمؤيدي الممر الاقتصادي الباكستاني، تنضم الزيادة في الصادرات إلى قائمة الفوائد المتأتية من الشراكة مع “الأخ الحديدي” لباكستان والصديق في جميع الأحوال السائدة.
يعتبر القرب الجغرافي بالتأكيد عاملاً مهماً في تقليل تكاليف النقل قبل التصدير. نظراً لحدود الصين المشتركة مع باكستان، غالباً ما تندلع مشكلة التلوث المحلي في الخطاب العام، وقطاع التكنولوجيا الخضراء المزدهر، تملي فيزياء السوق أن النحاس الأرخص والأكثر وفرة في باكستان سيتجه بشكل طبيعي نحو الشرق. ومع ذلك، هناك عامل آخر، وهو التكامل المتزايد بين باكستان والصين.
هذا الإنتاج المتزايد وتصدير المعادن الباكستانية، وهي مادة خام، إلى دولة أكثر تطوراً وثراءً يغذي الخطاب حول تأثيرات مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI)، لاسيما بشأن ما تعنيه لهيمنة الولايات المتحدة.
في هذا الصدد، تكشف نظرة سريعة على أهم مصادر الواردات الباكستانية أن حصة الصين قد تضاعفت منذ عام 2012، من 15 % إلى أكثر من 30 %، بينما ظل المنافسون مثل الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة عند مستوياتهم تقريباً قبل مبادرة الحزام والطريق.
ماذا يعني هذا للهيمنة الأمريكية؟. وفقاً للتحليلات فإن المكاسب المماثلة التي حققتها الصين على حساب الولايات المتحدة والنظام الليبرالي الدولي، جعلت بصمات الصين على الدول النامية أكثر وضوحاً وتأثيراً. ينضم عدد متزايد من الدول إلى المؤسسات الدولية في الصين، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهناك دول أخرى تتبنى موقف الصين الواحدة على مستوى الحكومة والأمم المتحدة.
أصبحت الصين أيضاً وجهة رئيسية للطلاب من البلدان النامية، مع هذه الهجرة التعليمية باتجاه الشرق التي تتضمن تعليم اللغة والثقافة الصينية. في باكستان، حققت الصين مستوى الثقة الذي منحته ذات مرة لواشنطن في الشؤون الأمنية، حيث رفضت إسلام آباد مؤخراً طلباً أميركياً لاستضافة قاعدة عسكرية لمراقبة أفغانستان.
لم تقابل المكاسب الاقتصادية التي حققتها الصين في باكستان بقلق كبير، فهي مناوشة هادئة، تدور أحداثها في الأسواق والمصانع، وتُعلن باتفاقيات تجارة حرة وهي قادرة على تعزيز نفوذ بكين من خلال التصميم الشامل والمثابرة المستمرة.
المصدر: The Diplomat