الثورة – تعليق لجين الخطيب:
تأتي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية اليوم الأحد على وقع استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي فرضت نفسها على المشهد الانتخابي في فرنسا مُربِكة أجندات المترشحين للرئاسة، ومُثيرة مخاوف من انخفاض نسبة الإقبال على الانتخابات من جهة ومن جهة أخرى مخاوف أمريكية من فوز المُرشحة “مارين لوبان” الحليفة للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والداعِمة لخروج بلادها من الاتحاد الأوروبي وبالتالي توسُّع هوّة الانقسام الأوروبي في المواقف تجاه روسيا بعد عمليتها في أوكرانيا.
منافسة حادة يخوضها الرئيس المنتهية ولايته “إيمانويل ماكرون” مع زعيمة جبهة التجمع الوطني اليميني الفرنسي “مارين لوبان” التي تحتل المرتبة الثانية خلف “ماكرون” في استطلاعات الرأي، وذلك في سيناريو قد يكون مُكرّراً لانتخابات عام 2017 التي خسرتها “لوبان” أمام “ماكرون”، خاصة بعد تعرُّض الأخير لانتقادات بسبب عدم قدرته الضغط على نظيره الروسي لوقف العملية العسكرية في أوكرانيا، كذلك غيابه خلال معظم حملته الانتخابية، الذي برّره بأداء مهامه الرئاسية، لاسيما تجاه العملية الروسية في أوكرانيا.
وهو الأمر الذي أثار انتقادات من قبل مُرشحين آخرين، فيما يرى مراقبون أن العملية الروسية رفعت أسهم ماكرون باستطلاعات الرأي، ورأبت صدعاً قاتلاً لحق بشعبيته بسبب العديد من الملفات الداخلية، فهو زار الكرملين وتحدّث إلى نظيره الروسي أكثر من مرة قبل وبعد انطلاق العملية الروسية في محاولة منه لدفع موسكو وكييف إلى حلّ سياسي، وعندما يرى الفرنسيون ماكرون يتحدث إلى بوتين، حتى ولو كان ذلك وسط تباعد كبير في وجهات النظر، فسوف يتأكدون أن بلادهم تلعب دوراً هاماً على الساحة الدولية وفق تعبير “إيمانويل ريفيير” خبير استطلاعات الرأي في شركة “كانتار بابليك للاستشارات”.
وفي الوقت الذي يحتفظ فيه ماكرون بموقف دبلوماسي إزاء روسيا نافياً اتهامه بإبقاء قناة حوار مفتوحة مع بوتين رغم استمرار عمليته في أوكرانيا، تنتقد منافسته “لوبان” مواقفه الحادة حسب وصفها تجاه الرئيس الروسي، قائلة إنها تريد أن “تلتحم روسيا مجدداً بأوروبا”.
فوز “لوبان” المُحتمل برئاسة فرنسا يثير مخاوف الولايات المتحدة كونه يُشكّل انتصاراً للدب الروسي في قلب أوروبا، خاصة مع تعهُّد “لوبان” بإخراج بلادها من “منطقة النفوذ الأميركي”، ووفق تقرير لمجلة “بولتيكو” هناك قلق متزايد داخل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن استطلاعات الرأي حول الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تظهر سباقاً محتدماً بين ماكرون ومنافسته لوبان، فالأخيرة متعاطفة مع بوتين، وفق المجلة، وفوزها قد يكون مزعزعاً لاستقرار التحالف الغربي ضد موسكو، ويقلب دور فرنسا، كقوة أوروبية رائدة، رأساً على عقب، ويزعزع ثقة قادة آخرين في حلف شمال الأطلسي بشأن البقاء في الحلف، كما سيكون لفوز لوبان تأثير كبير على الشؤون العالمية، فهي حليف قوي للرئيس الروسي بحسب تعبير صحيفة “الإندبندنت”.
ومن جانب آخر تُعتبَر المُرشحة “لوبان” حليفة لرئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” الذي أُعيد انتخابه قبل أيام وهو أبرز أصدقاء بوتين في الغرب، كما أنه يشغل مقعداً داخل المجلس الأوروبى في بروكسل يستطيع من خلاله تعطيل أيّ قرار قد يتخذه الاتحاد الأوروبي ضد بوتين، كذلك المجر عضو في حلف شمال الأطلسي في الوقت الذي يُعتبَر فيه جزء من التوتر الحالي بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى ناجم عن رفض روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو كون ذلك يهدّد أمن واستقرار موسكو.
فوز “أوربان” بفترة جديدة في منصبه في المجر وفوز “لوبان” المحتمل في الانتخابات الفرنسية المقبلة سوف يؤدي إلى زيادة الأصدقاء الأوروبيين للرئيس الروسي، خاصة مع وجود تقارير تتحدث عن عودة شبح الانقسام إلى العلاقات الأوروبية بعد “وحدة صف نادرة” مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ما قد يُثبِّت أقدام بوتين في الغرب.
