في شهر نيسان يتسابق صنفان جميلان على الحضور في الأسواق ليكونا باكورة الثمار الموسمية حيث تتزين الأمكنة والزوايا المختلفة بالعربات المتحرّكة الصغيرة فيما آخرون يفترشون بعض المساحات على الأرصفة العامة وفي الحارات يعتليها أطباق اللوز والفريز .
وما بين اللون الأحمر و الأخضر عملية جذب للشهية تشدُّ الصغار قبل الكبار ..
ولأن ضيق الحال فعل فعله في جيوب الناس وساومها لآخر نفس، إلا أن بعض التفاؤل مازال يقوّض عتمة الإحساس وظلمة الحاجة، تترجمه سلوكيات البعض بشيء من النبل والأصالة ..
وبعيداً عن النزعة المادية وجنون الأسعار وشراهة الجشع، كان لافتاً تعاطي ذاك الرجل الستيني مع عدد من الأطفال الصغار واليافعين الذين تجمّعوا بالقرب منه حين تعامل معهم بشيء من التقدير وهو يقرأ مافي عيونهم من رغبة وبؤس،لكنّه أدرك في الوقت ذاته عفّة أنفسهم فبادر بضيافتهم مما يبيعه من اللوز والفريز البلدي ذي الرائحة الزكية، إلا أن أحداً لم يقبل دون أن يدفع له ثمن الضيافة رغم صغر سن البعض.
احترم كبرياءهم وسألهم عن الخرجية التي بحوزتهم ،البعض ذكر مائة ليرة وآخر مائتان وما بين المئة والخمس مئة ،أقنعهم أن يبيعهم بقيمة ما يملك كلّ واحد منهم شرط أن يقبلوا ضيافته، وهكذا تمت الاتفاقية مع هؤلاء بكلّ دوافعها الإنسانية لتكون الضيافة خارج كلّ بروتوكولات الأسعار إذ لم يتقيد صاحب هذه العربة التي يتسبب منها لابالوقية ولا بالكمية، وإنما أغدق بما يشبع العين قبل المعدة.
لقدأعادنا هذا الرجل الإنسان إلى سنوات خلت من وفرة الخير والإحساس والشعور بالآخر يوم كان الجار يطعم جاره بما ليس عنده من فاكهة وغيرها .فيما بات الأهل اليوم عاجزين عن تلبية أبسط حقوق ومتطلبات أبنائهم من الغذاء على الأقل ..
الدنيا لازالت بخير ..والطيبون لا يحتاجون إلى تعريف.
عين المجتمع -غصون سليمان