الثورة – السويداء – رفيق الكفيري:
تطل علينا الذكرى السادسة والسبعون لعيد الجلاء، وتفرض حضورها أكثر من أي وقت مضى، فالهجمة الاستعمارية على وطننا سورية مستمرة وبأساليب أكثر ضراوة وتآمر، وما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى استحضار روح الجلاء وإحياء قيمه ومعانيه ودلالاته السامية، استحضار قامات أولئك المجاهدين الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والفداء ضد عدو لا يعرف إلا امتصاص خيرات الشعوب وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، مجاهدين اجتمعوا على محبة الوطن وتكاتفوا وانضووا تحت شعار/الدين لله والوطن للجميع/ عاقدين العزم على طرد كل من يحاول أن يدنس تراب الوطن رافضين الوصاية والانتداب والاحتلال.
فما إن وطئت أقدام المحتلين الفرنسيين أرض الوطن حتى اشتعلت الثورات في كل بقعة من بقاعه وتوّجت تلك الثورات بقيام الثورة السورية الكبرى التي انطلقت من جبل العرب الأشم عام 1925 ضد المستعمر الفرنسي بقيادة المغفور له سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى، وعمت أرجاء سورية لتسطر ملحمة بطولية قدمت أكثر من خمسة آلاف شهيد وشكلت الأساس لكل النضالات التي جاءت وحققت الجلاء في السابع عشر من نيسان عام 1946 والذي فتح أبواب سورية نحو الحرية والتقدم.
قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش ومنذ أن أصبح قائداً عاماً للثورة وجه عدداً من البيانات شدد فيها على الوحدة الوطنية ومواصلة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي حيث جاء بيانه الأول (إلى السلاح إلى السلاح يا أحفاد العرب الأمجاد هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، أيها السوريون لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى فلنأخذ حقنا بحد السيف ولنطلب الموت توهب لنا الحياة).
استطاع أن يجمع في شخصه الكرم والشجاعة والشهامة والصلابة والتواضع والزهد وأن يكسب محبة أبناء الوطن وتقدير واحترام القادة، أحب الأرض التي ولد فيها وأكل من خيرها واستقر جثمانه الطاهر فيها، الأرض التي دعا قبل وفاته إلى ألا يرفعوا قبره عنها لأنها أرض مقدسة ولا أحد يعلو عليها.
ولد قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في بلدة القريا 5 آذار عام 1888 وهو ابن الشهيد ذوقان الأطرش الذي أعدمه الأتراك مع بعض الزعماء من الجبل شنقاً بدمشق عام 1910 وتربى في مدرسة الجبل على حب الوطن والذود عن حياضه، وعارض بقوة الانتداب الفرنسي وثار في 21 تموز عام 1922 بسبب خرق الفرنسيين لحرمة الضيافة وأخذهم لضيفه أدهم خنجر الذي جاء يحتمي بداره.
من أبطال الثورة السورية الكبرى..
ومن أبطال الثورة السورية الكبرى المجاهد عقلة القطامي الذي كان في مقدمة الذين لبوا نداء الثورة واندفع إليها مع رفاقه الثوار ليخوض معارك الثورة السورية الكبرى دون أن تنطلي عليه حيل الاستعمار ودسائسه بين صفوف المواطنين السوريين، تارة باسم الطائفية وتارة باسم الإقليمية الضيقة، وكان يقف دائماً وبإصرار مع قائد الثورة وذلك إمعاناً بالرّد على دعاة الطائفية التي غذاها الاستعمار الفرنسي للإخلال بالوحدة الوطنية. وكان قد حذّر المجاهد عقلة القطامي الجنرال غورو بقوله (إن الدورة الدموية التي تسري في عروقنا ليست فرنسية ولا بريطانية إنها عربية المنبع) وسجّلت أحاديثه صفحات مشرقة يوم كان يجيب عن الدوافع التي حملته على امتشاق سيف الجهاد في سبيل أمته وبلاده.
المجاهد حمد البربور ولد في 5 شباط عام 1888 وكان يمين سلطان باشا الأطرش في الثورات الثلاثة، أي الثورة العربية الكبرى, وتمرد 1922، والثورة السورية الكبرى 1925-1927، في اليومين الأخيرين من تموز (30-31) جرت عدة اشتباكات في الليل والنهار عرقلت تحرك حملة فرنسية بقيادة الجنرال ميشو لفك الحصار عن قلعة السويداء وألحقت بها بعض الخسائر ولكن الثوار تكبدوا أيضاً خسائر غير قليلة، حيث إن الحملة قد ضمت حوالي ثمانية آلاف مقاتل، كان خط قرية الدور- نبع قراصة هو خط الدفاع الأول، لذلك خاض الثوار معركة ضارية مع مقدمة قوات ميشو الكبيرة بالعدة والعدد، إلى أن أصيب في صدره فاستشهد حمد البربور في 12 آب 1925.
قاهر الدبابة الفرنسية..
كان في العشرين من عمره إبان الثورة اشترك مع رفاقه المقاتلين من قريته قنوات في معركة تل الخاروف عصر اليوم الأول، وفي فجر اليوم الثاني تقدم صفوف المقاتلين في معركة المزرعة إنه المجاهد صالح القضماني، وخلال المعركة خرجت مصفحة للعدو من مكانها واندفعت إلى الأمام، وأخذت تطلق نيرانها على الجهة التي كان القضماني يقاتل فيها فأصابته بأربع إصابات بيده وكتفه وقدمه ولم يأبه للدماء النازفة، بل صمد وانتزع كوفيته وضمد بها جراحه ووثب إلى سنام المصفحة وبندقيته بيده ومن فجوتها صوب بندقيته إلى رأس قائدها فقتله ولاذ بقية الجنود في جوانبها وانقلبت المصفحة واشتعلت فيها النيران واستمر يقارع العدو رغم جراحه الأربعة النازفة، وحمل ابن قريته إبراهيم الجرماني الذي أصيب بالمعركة بجرح بليغ على ظهره ونقله إلى مكان خارج ساحةالمعركة, وعمر القضماني بلغ الثامنة والثمانين وبقي شامخاً كالصفصافة إلى أن رحل إلى ديار الخلد عام 1991.
بطل معركة المزرعة..
فارس معركة المزرعة كان في الخامسة والثلاثين من عمره عند إعلان الثورة السورية عام 1925 وفي مقدمة الأبطال الذين خاضوا غمار معركة المزرعة، يصول ويجول على ظهر جواده بين الجنود الفرنسيين إنه المجاهد سليمان العقباني وكتب المجاهد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في مذكراته عن الثورة في الصفحة (166) ومن برز في هذه الملحمة وفاق الأقران المرحوم سليمان العقباني من بلدة السجن فكان ينفرد عن المقاتلين ويهز صارمه وينادي ( اشهدوا اشهدوا- اقرؤوا اقرؤوا) ثم يكر على المستعمرين، وقد قتل منهم ١٨ جندياً ثم أصيب العقباني بمعركة المزرعة في الساعة الأخيرة من يوم القتال عندما كان يتعقب الجنود الفارين على مسافة بعيدة من ساحة المعركة وبرصاصة غادرة أردته شهيداً.
ومن المجاهدين الذين أبلوا بلاء حسناً في أم معارك الثورة السورية الكبرى معركة المزرعة المجاهد جاد الكريم فارس الحلبي حيث أصيب بطلق ناري في كتفه وساقه، ورغم ذلك تمكن من اعتلاء دبابة فرنسية وقتل قائدها واستطاع أن يستولي على بارودة فرنسية استخدمها في المعركة، وخلال الثورة السورية الكبرى كان له مشاركات في معارك الكفر واللجاة ووادي الفالوج ونظراً لبطولته وشجاعته كلفه القائد العام للثورة السورية الكبرى مع مجموعة من رفاق الثورة بمرافقة المجاهد إبراهيم هنانو إلى الأردن، والمجاهد عبد الكريم عامر الذي لقب بعبد الكريم الريف لبطولته وشجاعته وإقدامه وهو من مواليد قرية السويمرة في الريف الشمالي من المحافظة وفي مطلع شبابه انضم إلى قوافل المناضلين ضد الأتراك فاعتقل واقتيد إلى سجون دمشق وحكم عليه بالإعدام ولكن أفرج عنه بعد سنتين من الاعتقال في قلعة دمشق وعندما انطلقت الثورة السورية الكبرى عام 1925 رفع المجاهد عبد الكريم عامر راية الجهاد يرافقه في حمل السلاح أولاده ضاهر ومشاري وعبد الله ولم تحدث أي معركة، وفي أي زمان ومكان، طيلة سنوات الثورة إلا وكان المجاهد عبد الكريم في مقدمة الصفوف مع أبنائه ورفاقه وتشهد على ذلك (معركة نجران) عام 1926.
حرائر امتشقن السيف..
حرائر جبل العرب الأشم كما حرائر سورية الأبية وقفن جنباً إلى جنب مع المجاهدين إبان قيام الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي مجاهدات كثر من الجبل الأشم شاركن في أحداث الثورة السورية الكبرى وكان لهن دور كبير في حماسة الثوار وامتشاق السيف ومقاتلة المحتلين الفرنسيين، ومنهن بستان شلغين ابنة قرية صميد التي كانت تهيئ للثوار زادهم وعندما نفد ما ادخرته باعت أساورها وحليها لتشتري بثمنها طحيناً للثوار الجائعين، حملت السلاح وقارعت الاستعمار وضمدت الجرحى وبعد انتهاء معارك اللجاة جاء الجنرال اندريا إلى مدينة شهبا فسمع عن بستان شلغين وطلب مقابلتها في قريتها صميد، فقدم ليسلم عليها فرفضت مصافحته، وقالت له: إن اليد التي تقتل وتجرم لا نصافحها.
أما سبردج أبو زيدان من قرية العجيلات كانت ترافق إخوتها المجاهدين السبعة وتقاتل إلى جانبهم حملت البندقية وقتلت عدداً من الفرنسيين، ومن لا يسمع بشما أبو عاصي التي خاطبت الثوار الذين تجمعوا في ساحة قرية نجران لتناول الطعام بقولها: من يريد أن يقاتل المستعمرين فليتقدم ويأكل من طعامنا ومن لا يريد القتال فليخرج من هنا فهو لا يستحق أن يأكل، هذه الكلمات أثارت حماس ونخوة الثوار حيث انطلق الجميع وشاركوا في معركة المزرعة.
والمجاهدة ترفه المحيثاوي من قرية لبين التي أطلقت النار على الفرنسيين وكشفت مواقعهم أمام الثوار، والمجاهدة شيخة عامر التي تمكنت من إسقاط طائرة فرنسية ببندقيتها في قرية البثينة، وعلياء المغربي وهدية الجباعي ومدلله حمزة التي أطلق عليها خنساء القرن العشرين ورضية حمايل وأمينة أبو عمار وغيرهن كثر ممن أدين دورهن النضالي ضد المحتل الفرنسي.