افتتاحية الثورة بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
إنه عيد العمال، ليس في سورية فحسب، بل في العالم كله، ولهذا اليوم رمزيته المعروفة لدى السواد الأعظم من البشرية، حيث انتفض العمال في الولايات المتحدة عام 1886على المحتكرين أصحاب رأس المال والشركات العملاقة، وكانت شيكاغو مسرح المعركة ضد الاستغلال والجشع، وعمّت التظاهرات أميركا، الأمر الذي لم يَرق لحكامها، ولاسيما بعد شل الحركة الاقتصادية في مدنها، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين، وقتلت عدداً منهم، ولاحقاً تم إعدام أربعة آخرين.
ولم يفعل حكام أميركا ذلك إلا لأن قوانين التوحش الاقتصادية لديهم تشطب آدمية الإنسان، وتحوله إلى مجرد آلة ومستهلك بلا قيم، ولا قيمة، قوانين فقط لمصلحة حفنة من المجرمين واللصوص وأصحاب الشركات الاحتكارية الجشعة، وليذهب مواطنوهم إلى الجحيم.
ومنذ ذلك التاريخ تجاوزت القضية أسوار أميركا، وبلغ صداها عمال العالم، فاعتمد الأول من أيار يوماً عالمياً للعمال تضامناً مع الأبرياء الذين واجهوا الرأسمالية المتوحشة، والتي مازالت تفتك اليوم بالبشرية عبر قوانينها “الليبرالية” الجديدة.
والاحتفال بعيد العمال في بلدنا له رمزيته، فيومهم يشكل عنواناً لتضامن الطبقة العاملة، ورمزاً لوحدتها، وتجسيداً لانتصاراتها وصمودها بوجه الإرهاب والعقوبات والحصار، وخاصة في العقد الأخير.
وفي سورية، وعلى مدى تاريخها الحديث، كان عمالنا ركيزة بنائها وإعمارها، ويومهم حي في كل النفوس الأبية، فهم صناع المجد والحضارة والبنيان، وكما كان أبطال جيشنا الباسل حماة الأرض والعرض، ومصدر الافتخار لدى أهلنا، كان عمالنا في اللحظة ذاتها مصدر العز، فهم من بذلوا الغالي والنفيس لبناء بلدنا الشاهق، وهم من استرخصوا دماءهم الطاهرة في السنوات الأخيرة من الحرب العدوانية، كما في كل زمن، حتى يحيا أبناء وطنهم بأمان واستقرار.
ليس هذا فحسب، بل كانوا الرافعة الحقيقية التي وفرت أسباب الصمود من خلال تضحياتهم وإصرارهم على الحضور في مختلف مواقع العمل في أحلك الظروف، والكثيرون منهم استشهدوا في أثناء قيامهم بواجبهم الوطني والإنساني والاجتماعي، واستمر إنتاجهم رغم تدمير معظم معاملنا ومنشآتنا الخدمية والصناعية، وهم يملكون إرادة التحدي والإصرار على متابعة العمل.
كانوا جنوداً مجهولين يؤمّنون للوطن حاجته رغم قلة الموارد وضعف الإمكانيات التي فرضتها الحرب العدوانية والحصار، وكانوا الجيش الذي يعمل ويعمّر ويدافع بآن معاً كي تعود سورية أقوى مما كانت، فأصبحوا مصدر قيمة العمل العليا.
والأول من أيار يأتي هذا العام في ظل حصار غربي خانق، وحرب إرهابية مستمرة، وظروف معيشية بالغة الصعوبة، لكن عمالنا مع كل أبناء وطننا ينظرون إلى المستقبل بأمل كبير لتحسين أوضاعهم، وهم الأكثر قدرة على إعادة إعمار وبناء ما دمره الإرهاب، والأكثر تصميماً على استمرار عجلة الإنتاج بالدوران، للنهوض باقتصادنا، والدولة ومؤسساتها تبذل كل جهد لتحسين وضعهم المعيشي، والأمل كبير بأيام أجمل.
رئيس تحرير صحيفة الثورة