خالد التركاوي دكتوراه في التنمية الاقتصادية:
منذ خمسينات القرن الماضي؛ امتلكت سورية ليرتها الخاصة، وتمَّ ربط هذه الليرة بالدولار الأمريكي بعد أن كانت مرتبطة بالفرنك الفرنسي، ومع مرور الوقت أصبحت الليرة السورية ليس وسيطاً للتداول فحسب، بل أيضاً رمزاً للاقتصاد السوري وأحد أهم ركائزه.
ولكن مع بدء هبوط سعرها في 2011 راحت الدعوات للتخلي عنها تأخذ مكانها، سواءً من قبل الأفراد الطامحين لحفظ ثروتهم، أو من قبل من بات يجد في أن الليرة السورية تخلت عن مهمتها في دعم الاقتصاد، وصارت أداة بيد النظام السوري لمحاربة الشعب، وتمويل الجيش والأمن، وتبييض الأموال القادمة من المخدرات، وتزوير العملات، الأمر الذي ساهم في وقت لاحق بوضع البنك المركزي تحت طائلة عقوبات اقتصادية غربية لاعتباره مؤسسة تعمل لصالح النظام السوري وليس الشعب.
بعض المناطق السورية تخلت بالفعل عن الليرة، واستخدمت عملات أخرى، وبعضها الأخر استخدمت مزيجاً من العملات الأجنبية والليرة السورية، ومع سقوط نظام الأسد أواخر 2024 انهار سعر الصرف مجدداً، وغادر مسؤولو النظام السابق بأموال لا يعلمها إلا الله، تاركين خلفهم بلاداً مدمَّرة واقتصاداً منهكاً، يرزح تحت وطأة العقوبات، والأزمات، وظهرت مشكلات في توفر السيولة لدى مؤسسات الحكومة؛ مما بدأ يوحي بأن الليرة السورية الموجودة في التداول قد تُستغل بشكل سلبي في شكلها الحالي، أي إنها قد تتحول لوسيط تمويل جماعات عسكرية تقاتل السلطة الجديدة التي وصلت إلى الحكم، خاصة مع انخراط مكاتب الصرافة وبعض التجار في إخفاء السيولة لأغراض المضاربة بالليرة التي يتوقع تحسنها مع مرور الوقت.
في هذه المرحلة ظهر تيار من المنادين بتغيير العملة السورية -ولعلني منهم-، لأسباب تتعلق بضرورة السيطرة على الكتلة النقدية الموجودة في التداول، وتقليل التعامل بالاقتصاد الأسود، وضبط الأسواق، إضافة لأسباب أخرى متعلقة بشكل العملة التي تملؤها صور تذكر السوريين بقاتلي أبنائهم ومخربي اقتصادهم.
التيار الجديد استند إلى تجارب دولية سابقة؛ ففي عام 2016، في الهند، وضعت استراتيجية تغيير العملة المحلية في سبيل مكافحة الفساد والقضاء على الأموال السوداء بدرجة رئيسية، ثم مكافحة التضخم، حيث عملت الحكومة على إصدار قرار أوقفت من خلاله التعامل بالعملات النقدية من فئة 500 روبية وفئة 1000 روبية والتي تعتبر الفئات الأكثر استخداماً في البلاد، فيما حافظت على الفئات الصغيرة التي يحتاجها الناس في المعيشة اليومية، ويمتلكها الفقراء في الغالب، وطالبت الحكومة الهندية من يمتلك هذه الفئات بفتح حسابات مصرفية لإيداعها واستبدالها في وقت لاحق، وكانت النتيجة أن تم تخفيض الأموال الورقية الموجودة في التداول وتم الانتقال لاقتصاد رقمي بسرعة، وارتفعت حصيلة الخزينة العامة من الضرائب، وتم ضبط الأسواق السوداء بنسبة كبيرة.
وفي ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، بدأ المصرف المركزي الليبي بالإعلان عن عملية تبديل العملة بأخرى لا تحتوي صور العقيد معمر القذافي، وبالفعل بدأ سحب فئات الخمسة دنانير والعشرة دنانير، وتم ذلك ضمن مخطط زمني مرن، ليتم استبدالها بصور مناضلين من التاريخ الليبي بدلاً من صورة العقيد، وبناءً على هذه الخطوة استطاعت الحكومة أن تحلَّ مشكلة توفر السيولة بشكل كبير.
أما في العراق، فقد تعرضت المؤسسات العامة في 2003 لعمليات سلب ونهب، وسرقت مبالغ كبيرة منها، استثمرت هذه الأموال فيمابعد من قبل شخصيات فضلت نفسها على بقية الشعب العراقي الذي كان يحتاج كل دينار من أمواله.
بعد مدة زمنية قرر العراق أن يلغي الفئات النقدية التي تحمل صورة صدام حسين واستبدلت بأخرى تحمل زخارف تذكر بالعهد القوي للعراق قبل وصول حسين إلى السلطة.
كما لوحظ إصدار عملات من فئة 25 ألفاً وكذلك 10 آلاف وهي فئات ساعدت على التغلب على حالة تراجع سعر العملة، ولم يعد المواطن العراقي مضطراً لحمل كميات كبيرة لدفع احتياجاته اليومية.
وبالفعل فإن هذه الخطوة أي استبدال الليرة السورية بطبعة جديدة قد تكون لها فوائد متعددة أبرزها: مايتعلق بالتخلص من حمل كميات كبيرة من الورق النقدي، والتحول للنظام الرقمي، وكشف العملات المسروقة، وتقليل إمكانية استخدامها في محاربة سورية الجديدة، ولكن على جانب آخر فإن خطوة كهذه تحتاج إعداداً جيداً خاصة في النظام المصرفي الذي عليه أن يستوعب عشرات آلاف الحسابات الجديدة التي سيتم فتحها، وفي البنية التحتية الرقمية التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عمليات التحويل والدفع والقبض الرقمي، إضافة لجاهزية المصرف المركزي لإدارة هذه العملة من الناحية التقنية البحتة.