ماذا تريد أوروبا فعلاً من سوريا؟

 

مهدي الناصر كاتب وصحفي سوري

منذ لحظة سقوط نظام بشار الأسد وهروبه من سوريا قبل حوالي أربعة أشهر، تعاطت أوروبا مع الحدث بأعصاب باردة لكنها بعيون مفتوحة، رغم أن المشهد كان مفاجئاً تماماً لبعض العواصم الأوربية، فقد كانت هناك تحركات خلف الستار، محاولات جس نبض، واتصالات خجولة، خصوصاً من قبل إيطاليا، لإعادة تطبيع العلاقة مع النظام المخلوع، لكن ما بدا لافتاً فعلاً هو حجم وسرعة التفاعل الأوروبي مع الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وكأن أوروبا لم تكن تنتظر فقط سقوط الأسد، بل لحظة يمكن أن تدخل فيها مجدداً إلى الملف السوري من موقع متقدم، بعد سنوات من التهميش والمواقف الرمادية.

منذ ذلك الحين، لم تتوقف الوفود الأوروبية عن زيارة دمشق، بعضها لأهداف معلنة تتعلق بالدعم الإنساني أو التعاون الدبلوماسي، وبعضها الآخر جاء بصمت، بحثاً عن فرص، وموطئ قدم، وربما عن صفقات مبكرة في ملفات إعادة الإعمار، أمن الحدود، وترسيم النفوذ، وهنا يبرز السؤال المركزي الذي يجب أن يُطرح بصراحة: هل ما تريده أوروبا من سوريا هو فعلاً بناء دولة شبيهة بدولها من حيث الديمقراطية، سيادة القانون، الليبرالية، وحقوق النساء والأقليات؟ أم أن ما تريده، عملياً، هو استقرار وظيفي يُبقي سوريا خارج حدودها، ويضمن لها مكاسب داخلية؟

الجواب لا يحتاج إلى كثير من العناء، أوروبا، كما تبدو الآن، لا تسعى إلى بناء ديمقراطية حقيقية في سوريا. ليس لأن المبادئ التي تتغنى بها كاذبة، بل لأنها ليست أولوية عندما تتعارض مع الحسابات الواقعية، الأولوية الآن هي تقليل الهجرة، استيعاب أو ترحيل اللاجئين الموجودين، وتأمين حدود القارة من أي موجة جديدة.
أوروبا تدرك أن جزءاً كبيراً من الرأي العام لديها، والذي تصنعه وسائل إعلام تُصدّق بسهولة من جمهورها، بات متعباً من “أزمة اللاجئين”، وخائفاً من “اختلال الهُوية الثقافية”، وغاضباً من “فشل سياسات الإدماج”. وهنا، لا يعود الملف السوري شأناً إنسانياً، بل تحد انتخابي داخلي، تديره الحكومات الأوروبية بعقلية الأرقام لا المبادئ.

الأمر لا يتوقف عند اللاجئين. هناك عقول سورية، طاقات بشرية، كفاءات علمية وطبية وهندسية، باتت أوروبا تسعى لاستقطابها، ضمن ما يمكن تسميته “النزوح الانتقائي”. من يبني الاقتصاد الأوروبي الصاعد يُستقبل، ومن يُعدّ عبئاً يُعاد التفكير في ترحيله، وهكذا، تتحوّل سوريا إلى بنك موارد بشرية مفتوح على المدى الطويل، لا إلى دولة ذات سيادة وشراكة متساوية.

في موازاة ذلك، تريد أوروبا ألا تُقصى مرة أخرى عن ترتيبات المنطقة، كما حصل خلال السنوات الماضية، فبينما كانت أمريكا ترسم السياسات الكبرى، وروسيا تتدخل عسكرياً، وتركيا تتفاوض على نفوذ مباشر، بقيت أوروبا تُصدر بيانات لا يسمعها أحد، وتقدم مساعدات إنسانية بالكاد تحمي ماء وجهها الأخلاقي.
سقوط الأسد ومعركة “ردع العدوان” التي أنهت سيطرته، أعادت فتح الباب لأوروبا، لكنها أيضاً كشفت حجم ضعفها في فهم المنطقة وتوقيتاتها، أوروبا تريد الآن أن تثبت حضورها في صياغة مستقبل سوريا ولبنان، وفي معادلة العلاقة مع إيران وحزب الله، لا لتقدم حلولاً، بل لتحمي مصالحها، وتستعيد بعضاً من هيبتها.

كل هذه الاعتبارات تضعف من صدقية الخطاب الأوروبي حول حقوق الإنسان والمرأة وحرية الأقليات، فحين تتقاطع هذه القيم مع الأمن القومي الأوروبي، تتراجع مباشرة إلى الصفوف الخلفية، وما نراه اليوم من تهافت على دمشق ليس إعلان نية صادقة في دعم السوريين ببناء وطنهم، بل رغبة أوروبية في إعادة الإمساك بخيوط اللعبة، قبل أن تتشكل توازنات جديدة تجعلها مرة أخرى “آخر من يعلم”.

ربما ستشارك أوروبا في دعم بعض المشاريع، وربما ستموّل جزئياً إعادة الإعمار، وربما ستدرب قضاة وصحفيين ومسؤولين إداريين، لكن هذا كله لن يجيب عن السؤال الأهم: هل ستقف أوروبا مع حق السوريين في العدالة، والمحاسبة، والكرامة، أم أنها ستكتفي بالبحث عن نسخة من سوريا تناسب حدودها، وتخدم مصالحها، وتُشبهها فقط من الخارج؟

آخر الأخبار
أذربيجان وتركيا تعمقان تعاونهما في الملف السوري إضرابات على بعض خطوط دمشق بعد تخفيض التعرفة.. ومؤسسة النقل تتدخل لضمان الخدمة بعد انقطاع لأعوام.. عبور أول قافلة ترانزيت من سوريا إلى الخليج عبر باب الهوى مع تراجع حضور الكتاب.. الملخصات تفرض نفسها وتعمّق أزمة الدراسة الجامعية إيجارات المنازل في حلب تواصل ارتفاعها.. هل من حلول بالأفق؟ المنتخب الوطني للكيك بوكسينغ يشارك في بطولة العالم بأبوظبي مدونة السلوك الجديدة... خطوة لإعادة بناء الثقة بين المواطن ورجل الأمن تحركات حكومية تمهد لإصلاح مصرفي شامل قاتل في سوريا.. من هو "طبطبائي" الذي قتلته إسرائيل بـ"الضاحية الجنوبية"؟ وصفات صندوق النقد الدولي بين الفرص والمخاطر قوى الأمن الداخلي في حمص تمدد حظر التجوال إثر تصاعد التوترات الطائفية حمص.. اختبار الخوف ومسؤولية النجاة أعطال السيارات في إدلب.. جدل حول جودة المازوت وشركة البترول ترد تحضيرات لإطلاق ملتقى يدعم إبداعات سيدات الأعمال الصناعيات في دمشق وريفها سوريا تشارك في "القمة العالمية للصناعة" بالرياض  حفرة غامضة في درعا تشعل شائعات الذهب.. مديرية الآثار تحسم الجدل وتوضّح الحقيقة داء السكر .. في محاضرة توعوية  استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل