الثورة – عبد الحميد غانم:
للعمل مكانة حيوية عظيمة بحياة الفرد، ففيه تتحقق ذاته، وترتقي مراتبه، كما فيه يستغل قدراته العقلية والجسدية بالشكل المطلوب، والعمل هو الحماية الحقيقية للإنسان في مواجهة عواصف الحياة.
عيد العمال الذي نحتفل به في الأول من أيار من كل عام، هو تكريم لكل السواعد القوية التي عمرت الوطن وشيدت الاقتصاد وأدارت عجلة الإنتاج في كل الميادين وبذلت الجهد والعرق لنهضة مجتمعها.
لقد خصص الأول من أيار كيوم عالمي للعمال، ورمز لوحدة وتضامن العمال ونضالهم المشترك ضد كل أشكال الاستغلال والتسلط الرأسمالي، وهو نقطة انطلاق لعمال وطننا وتنظيمهم النقابي من أجل تجديد العهد على الاستمرار بالعمل والإنتاج والبناء.
تعود قصة عيد العمال إلى الأول من أيار 1886 عندما قامت حركة عمالية في الولايات المتحدة الأمريكية بالمطالبة بتحديد ساعات العمل. حيث كان العمال في الولايات المتحدة يواجهون الكثير من الاستغلال الذي شمل ساعات العمل الطويلة، وعدم وجود مزايا اجتماعية مثل الإجازة الأسبوعية والمزايا الطبية.
وكان العمال يطالبون بالرعاية الاجتماعية وتحديد ساعات العمل ب 8 ساعات، لكن أصحاب المصانع لم يصغوا لمطالبهم، حيث استخدمت الشرطة القوة المفرطة من أجل سحق احتجاجاتهم. وقُتل العديد من العمال في إطلاق النار من قبل الشرطة. فقام العمال بنقع القماش بدماء العمال الذين سقطوا دفاعاً عن حقوقهم، وهكذا أصبح العلم الأحمر علم الطبقة العاملة.
تم تنظيم اجتماع ثان تحت رعاية المؤتمر الاشتراكي الدولي عام 1889، وتم إصدار قرار أعلن فيه أن الأول من أيار يوم عالمي للعمال وأنه سيكون عطلة لجميع العمال، بهذا تم وضع الأساس لتحديد عدد ساعات العمل في دول العالم جميعها.
تمر ذكرى عيد العمال العالمي هذا العام في ظل ظروف دولية صعبه وتواجه فيه الطبقة العاملة وتنظيماتها النقابية تحديات كبيرة بسبب ما تعانيه من استغلال واستهداف من قبل الرأسمالية والليبرالية الجديدة وممارساتها الاقتصادية في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الإنتاج والتعدي على حقوق العمال وسيادة الدول ونهب ثرواتها.
كما تتزامن هذه الذكرى مع عدوان وحصار جائرين تتعرض لهم سورية فرضتهما قوى دولية وإقليمية لتنفيذ مشروعها الصهيو أمريكي بهدف إضعافها من خلال ضرب مقوماتها الاقتصادية ومصادرة استقلالها ونهب ثرواتها وتمزيق نسيجها الاجتماعي وبعثرة قواها الحية لتحقيق مكاسب سياسية عجزت عن تحقيقها عبر الحرب والإرهاب.
إن قوى الاحتلال والعدوان المنخرطة في الحرب على وطننا وشعبنا تركز على الجبهة الاقتصادية، بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها في إخضاع سورية وتركيعها عبر ما سمي “قانون قيصر”، وتشديد الإجراءات القسرية أحادية الجانب والحصار متعدد الأشكال، إذ يشن حلف الاحتلال العدواني الغربي الأمريكي أشرس حرب اقتصادية لتجويع شعبنا وعرقلة إعادة البناء و الإعمار المنشودة.
غير أن طبقتنا العاملة وتنظيمها النقابي أثبتا أنهما الرديف الأساس لبواسل الجيش العربي السوري وانتصاراتهم وكانوا مع إخوتهم الفلاحين وباقي فئات الشعب سداً منيعاً أمام قوى الغدر والعدوان، وهم يعملون معاً من أجل إعادة بناء سورية المنشودة الوفية والأمينة على المبادئ والثوابت، سورية الأمن والأمان والاستقرار والرخاء والازدهار والأمل بالعمل.
كما أثبت عمال سورية طيلة سنوات الحرب الإرهابية على وطننا أصالة وعمق انتمائهم ووطنيتهم، من خلال تأدية عملهم في أحلك الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومنهم من افتدى الوطن بالدماء حيث جبل تراب الوطن بعرقهم ودمائهم في الكثير من مواقع العمل من أجل تأمين مستلزمات الصمود الوطني وحاجات شعبهم الأساسية والضرورية.
تشكل طبقتنا العاملة ركيزة أساسية في التصدي للحرب الاقتصادية كما تشكل مع الجيش العربي السوري البطل سياجاً حقيقياً لحماية الوطن والذود عنه، فالجيش دافع وحرر عسكرياً وقدم الشهداء، و العمال جاهدوا ودافعوا اقتصادياً وخدمياً وقدموا الشهداء أيضاً وأنتجوا مقومات الصمود الوطني، وأدركوا أن الصناعة والزراعة هما السلاح الذي سيمكّن الشعب السوري من الانتصار على الحرب الاقتصادية والإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه أمريكا والغرب بحق سورية شعباً ودولة وجيشاً ومؤسسات اقتصادية وإنتاجية وتعليمية.