الثورة – لينا شلهوب:
في قلب مدينة جرمانا.. وتحديداً على الشارع العام، ومن حي الروضة، يتكرر كل يوم مشهد بسيط في ظاهره، عميق في دلالاته، يتجمع الناس من مختلف الخلفيات لممارسة حياتهم اليومية، يشترون الطعام (سندويشات الشاورما والبطاطا)، وكذلك احتياجاتهم الغذائية، يتبادلون الأحاديث، يضحكون، وينصرفون إلى أشغالهم، لكن ما يلفت الانتباه أن هذا التجمع العفوي يأتي في ظل ظروف محزنة تمر بها البلاد، وعلى وقع شائعات تحاول النيل من نسيج المجتمع السوري، إلا أن رد الناس كان واضحاً.. الحياة مستمرة، والشعب واحد.
في هذا المكان، لا تسأل عن الطائفة أو الخلفية أو المنطقة التي ينتمي إليها الزبون أو صاحب العمل، فكل ما يهم هو اجتماعهم ودفء اللقاء، في لحظة ما، يصبح “الاعتيادي” حدثاً بحد ذاته، لأن في بلد كتب عليه أن يعيش سنوات من التحديات، الاعتيادي هو شكل من أشكال المقاومة، والتعايش هو أبلغ رد على الفتن.
من الشارع.. الشعب يقول كلمته
أبو سامر، صاحب أحد المحال المجاورة، تحدث إلينا وهو يرتب البضائع أمام متجره، منذ سنين طويلة ونحن نعيش سوية هنا، كل يوم نستقبل أناساً من كل المناطق، لا يهمنا من أين هم، الأهم أن هناك احترام ومحبة، وعندما تظهر شائعة أو مشكلة، نرد عليها بالفعل ولبس بالكلام، فوجود الناس هنا مع بعضهم، هو أكبر دليل إنه لا أحد يستطيع أن يفرقنا.
بيسان (27 عاماً)، كانت عائدة من عملها وتنتظر طلبها من مطعم للوجبات السريعة قالت: أنا من سكان جرمانا من أيام الطفولة، وتربينا على جو المحبة والتنوع، كما أنني أشعر أن جرمانا تمثّل سوريا المصغرة ، فيها كل الألوان، والكل يعيش مع بعضه بسلام، لا نرد على ما نسمع من إشاعات أو محاولات تخويف، لأن الواقع يثبت العكس.
وفي حديث مع محمد شاب عشريني يعمل في توصيل الطلبات قال: أنا أعمل في مطعم وأتعامل يومياً مع العشرات من الأشخاص، كلهم يحبون بعضهم ويتعاونون، ويضيف: ربما الوضع الاقتصادي صعب، لكن المحبة مازالت موجودة، وكلنا شعب واحد.
دحض الشائعات بالفعل
في الأيام الأخيرة، نشطت على وسائل التواصل الاجتماعي شائعات تحاول تصوير الأوضاع في بعض المناطق على أنها متوترة، إلا أن الصورة الميدانية تقول العكس، في جرمانا، لا وجود لأي مؤشرات على القلق، بل أن هناك تكاتفاً يومياً، يظهر في أصغر التفاصيل، من بائع يرسل لزبونه كوب شاي مجاناً، إلى طفلين من عائلتين يلعبان أمام المطعم ببراءة.
يقول مختار أحد الأحياء في جرمانا، فضل عدم ذكر اسمه، نحن نعرف منطقتنا وشعبنا، لا تخلو الأمور من وجود بعض الأخطاء إلا أن الوعي يداهمها غالباً، ودعا إلى عدم الانجرار وراء الأخبار الكاذبة، مؤكداً أن هناك نضجا اجتماعيا، وأي محاولة للتفرقة تنفضح بسرعة.
رسالة أمل وصمود
ما يحصل أمام عدد من المطاعم والمحال، ليس مجرد طوابير طعام، بل رسالة مفتوحة لمن يريد أن يفهم نبض الشارع السوري، أن الجميع متعايشون رغم الكثير من المنغصات ومحاولات التفرقة لدفعهم لتخريب السلم الأهلي.
هذه المبادرات اليومية- سواء كانت مدفوعة بدافع العمل أم العيش أم حتى الصدفة- تحوّلت إلى ما يشبه الاحتفال الصامت بالتآخي، والرد الهادئ على كل من يريد تمزيق النسيج الاجتماعي السوري، وربما هذا هو أهم ما يميز جرمانا اليوم، أنها تقول من دون ضجيج: نحن هنا، معاً وسنبقى كذلك.