استخلاص العبر في التطبيق والاستفادة من دروس الآخرين 

الثورة- نور جوخدار :

تطمح الشعوب بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية ومنها الشعب السوري، إلى بناء دول جديدة تسودها العدالة والمساواة وحكم القانون، إلا أن طريق هذا التحول غالبًا ما تعترضه عقبات كبيرة، على رأسها كيفية التعامل مع إرث الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الأنظمة السابقة.

والتاريخ السياسي المعاصر مليء بالتجارب، حيث شهدت العديد من الدول ظروفًا مختلفة من الإبادات الجماعية وقمع الحريات، ومن هذه الدول نستعرض حالات، رواندا وجنوب إفريقيا وتشيلي، وذلك لاستخلاص العبر والاستفادة من دروسها التي من الممكن تطبيقها على الوضع في بلادنا. وتميزت العدالة الانتقالية في التجربة الرواندية لأنها تعتمد حلولا محلية متناسبة مع ثقافتها وتكوينها الاجتماعي دون انتظار تدخل المجتمع الدولي، واتخذت خطوات جادة لحل الآثار السلبية للنزاع من خلال اعتمادها على نظام “غاتشاتشا” التقليدية، وهو محاكم محلية تهدف لتحقيق العدالة السريعة، وتعزيز المصالحة المجتمعية، من خلال جلسات علنية هدفت إلى محاسبة الجناة وإعادة ترميم العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع.

كما أسست عام 1999 اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة، التي ركزت على تعزيز الوعي الوطني وفهم الماضي، وليس التحقيق في الجرائم أو كشف الانتهاكات، وقامت اللجنة بأنشطة عديدة كمعسكرات التثقيف والتعليم والنصب التذكارية للإبادة والإصلاحات التعليمية.

واعتمدت أيضًا على إصلاحات قانونية وهيكلية شملت سنّ قوانين جديدة كقانون الإبادة الجماعية لعام 1998، ودستورا حديثا عام 2003، والتركيز على بناء العلاقات الاجتماعية في البلاد.

في حين تعتبر تجربة جنوب إفريقيا من أبرز نماذج العدالة الانتقالية عالميًا، فبعد انتهاء نظام الفصل العنصري عام 1994وما صاحبها من حرب دامت أكثر من ثلاثين سنة، وإجراء أول انتخابات ديمقراطية شاملة ومشاركة المواطنين من ذي البشرة “السوداء” في الانتخابات، بعد عقود من عدم مشاركتهم أو إيلاء أي اهتمام بهم في الشأن العام، كنتاج لنظام الفصل العنصري، الذي أنشئ بعد الاستعمار الأوروبي، فقد شكلت لجنة الحقيقة والمصالحة عام 1995 ضمن برنامج من بناء السلام واستدامته في الجمهورية، عبر ما يسمى بأداة “العدالة الانتقالية”، كوسيلة للتعافي من آثار وويلات عمليات انتهاك حقوق الإنسان ما بين عام 1960-1994.

وصدرت اللجنة تقريرها الذي نُشر في عام 1998، والتي اعتمدت مبدأ “العفو مقابل الحقيقة”، حيث يمكن للجناة الحصول على عفوٍ خاص إذا اعترفوا بجرائمهم بشفافية، وكان دافعهم سياسيًا لا إجراميًا، مع وجوب عقد جلسات استماع علنية، خاصة في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

ورغم نجاح اللجنة في توثيق أكثر من 21 ألف شهادة، إلا أن التطبيق العملي شهد فجوات، أبرزها امتناع كبار المسؤولين عن التعاون، وضعف الجدية في الملاحقات القضائية لاحقًا.

أما في تشيلي، وبعد سقوط نظام أوغستو بينوشيه عام 1990، فقد بدأت عملية العدالة الانتقالية ولكنها ببطء بسبب الضغوط التي مارسها النظام السابق، وقد أُنشئت اللجنة الوطنية للحقيقة والمصالحة عام 1991، وكشفت عن آلاف الانتهاكات دون تحديد الجناة، ولاحقًا، وُجهت اتهامات قضائية لبينوشيه نفسه، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية قبل وفاته عام 2006.

كما أطلقت الحكومة التشيلية مؤسسة للجبر والمصالحة وقدمت تعويضات مالية وركزت على نظام الرعاية الصحية للناجين، وتم تقديم تعويضات بلغ مجموعها 3.2 مليار دولار، وشكلت لجان لاحقة كلجنة “فاليش” ولجان حقوقية رسمية للمتابعة في كشف الحقائق ومصير المختفين، فيما استمرت إشكالية حفظ الذاكرة الوطنية بسبب وجود إجراءات جزئية غير متكاملة، فمثلاً: تم إنشاء متحف ذاكرة كمؤسسة رسمية وهو “متحف الذاكرة وحقوق الإنسان” الذي يتلقى تبرعات الأرشيف والمواد الأخرى من الناجين وأقاربهم مع تمويل حكومي.

ولتباين سياقات الانتهاكات في هذه الدول، عن الحالة السورية، فذلك يستدعي بلورة نموذج خاص للعدالة الانتقالية، يستفيد من التجارب الدولية ويتكيف مع تعقيدات الواقع السوري.

وفي تقرير صادر عن “وحدة التوافق والهوية المشتركة” في مركز الحوار السوري والذي ركز في نهايته على عدة نقاط يمكن المساعدة في توجيه آليات التفكير الوطنية السورية لإنتاج مقاربة العدالة الانتقالية، ومن أبرزها:  طبيعة التحول في سوريا يفتح الباب أمام إمكانية التركيز على المساءلة بطرق متنوعة قضائياً وعبر المساءلة غير القضائية. و ضرورة عدم الخضوع لموجات الابتزاز في ملف العدالة. وأيضا ضرورة حضور العوامل الاقتصادية والاجتماعية عند التخطيط لمسارات العدالة الانتقالية، وعدم التفكير بأطر نظرية فقط. وكذلك  ضرورة الحوار وحشد أكبر قدر ممكن من التوافق حولها قبل المضي في إصدار تشريعات وقوانين.

بالإضافة إلى  التركيز على الآليات غير القضائية، وعدم حصر التفكير بآليات قضائية تقليدية فقط. وأيضا كشف الحقائق بمعناها الواسع، كالقضايا الوطنية الكبرى، وترسيخ النتائج الواسعة في الضمير العام للشعب السوري لضمان عدم التكرار. إضافة إلى  أهمية مناصرة الأفراد والروابط لمسارات العدالة. وأيضا ضبط التوقعات، وتفعيل المشاركة المجتمعية بأكبر شكل ممكن.

آخر الأخبار
الشيباني يلتقي سفراء دول أوروبية وآسيوية وأميركية في دمشق اختطاف المتطوع في "الدفاع المدني" يهدد العمل الإنساني في السويداء  لجنة تقصي الحقائق بأحداث الساحل: عملنا بداية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وكشف الحقيقة  شبكة حقوقية توجه نداء استغاثة لفتح وصول إنساني شامل إلى السويداء ودعم المُشرَّدين قسرياً خدمات إنسانية وصحية في درعا لمهجّري السويداء  "سوريا الجديدة دولة و وطن".. حلقة نقاشية في جامعة دمشق هدى محيثاوي .. صوت الوطن من  سويداء القلب  نقاشات موسعة أهمها إنشاء مركز تحكيم تجاري ..  خارطة طريق لتطوير العمل التجاري بين القطاعين العام وا... رئيس المخابرات البريطانية السابق: الاستقرار في دمشق شرطٌ أساسي للسلام الإقليمي  "حرب الشائعات".. بين الفتنة ومسارات الخلاص أحمد عبد الرحمن: هدفها التحريض الطائفي وإثارة الفوضى تآكل الشواطئ يعقد أزمة المياه مشهد يومي من جرمانا.. يوحّد السوريين ويردّ على الشائعات بالتآخي  المحامي جواد خرزم لـ"الثورة": تطبيق العدالة الانتقالية يحتاج وعياً استثنائياً  إنهاء تعظيم الفرد والديكور السلطوي.. دمشق خالية من رموز الأسد المخلوع خلال 15 يوماً الصناعة تبحث عن "شرارة".. فهل تُشعلها القرارات؟ "أوتشا": نزوح أكثر من 93 ألف شخص جراء الأحداث في السويداء  ضماناً لحقوق الطلبة.. تصحيح أوراق امتحانات الثانوية العامة بدقة وشفافية  فيدان: أي محاولة لتقسيم سوريا ستعتبر تهديداً مباشراً لأمن تركيا القومي سوريا في مرمى التضليل الإعلامي استخلاص العبر في التطبيق والاستفادة من دروس الآخرين