تشي المخرجات السلعية لقطاعنا الزراعي بخلل ما، هو تنظيمي على الأرجح، ناتج عن حالة لا يمكن وصفها إلا بأنها ارتجالية أو عفوية متروكة لتقاليد الزراعة في كل منطقة، أو لرغبة الفلاح الذي لايمتلك رؤية واضحة عما سيكون عليه الحال في الأسواق حين يصل موسمه إلى مرحلة الجني.
وتؤكد الوقائع المتتالية أننا نكون في كل موسم إما أمام حالة فائض وكساد، أو نقص ومن ثم حاجة.. وفي الحالتين تخرج الاتهامات لقطاع الصادرات، اتهامات بالعجز أمام الفائض أو بزيادة المشكلة عندما يقل العرض المحلي في الأسواق.
تقاذف الاتهامات دائماً يدل على أن خطأ ما قد حصل بغض النظر عن المخطئ، حيث لا يكون مهماً البحث والتحري بمفعول رجعي.
الواضح أن المشكلة بمجملها تقع في الحلقة المتعلقة بالتخطيط – تخطيط الإنتاج – وهذه ليست مهمة الفلاح بكل تأكيد، بل مهمة عدة وزارات في مقدمتها وزارة الزراعة.
التخطيط يكون وفقاً لعدة اعتبارات.. أولها حاجة الاستهلاك المحلي، وثانيها مدى قدرة المصانع المحلية على استيعاب الفوائض عن الاستهلاك، وثالثها الأجندة الاستشرافية لخارطة الصادرات المحتملة.. وعلى أساس هذه النقاط الثلاث يتم تخطيط ورسم خارطة المحاصيل في كل موسم.
لقد سبق الفلاح في بعض المناطق برؤيته الاستشرافية الجهات الرسمية، عندما أقلع عن التورط في زراعات تحدث فيها اختناقات كالبطاطا والبندورة في بعض مناطق السهل الساحلي، واستبدلها بزراعات مسوقة سلفاً من قبل تجار يعرفون كيف يلتقطون الفرص في الأسواق الخارجية، والأمثلة زراعة الورود في البيوت المحمية، وزراعة البندورة “الكرزية” والمحاصيل الاستوائية التي تتماهى بيئة الساحل مع بيئتها الأصلية.. والأمثلة كثيرة إن أردنا أن نجري لها جردة حساب.
مؤسفة حقيقة أزمات الفلاح في كل موسم.. بطاطا.. ثوم.. حمضيات.. بندورة أحياناً.. وغيرها من المحاصيل التقليدية في بلادنا.
لابد من لجنة عليا مؤلفة من ممثلين لوزارات الزراعة والموارد المائية والاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، واتحادات غرف الزراعة والتجارة والصناعة، مهمتها تخطيط مساحات الإنتاج في كل منطقة بناء على الروائز التي أشرنا إليها.. تماماً كما تخطيط محصول التبغ.
أما أن نترك الحبل على الغارب لنقع ونترك الفلاح يقع في الأزمات المتكررة، فهذا خلل كبير لا يجوز أن يبقى مقيماً في حقولنا، لاسيما وأن الزراعة باتت قطاع البقاء والاستمراء في بلد زراعي بامتياز كبلدنا.
السابق