اهتدينا أخيرا .. وعقدنا العزم على توطين خدمة التأمين الزراعي كمنتج تأميني أساسي كان غيابه يشكل خللا وثغرة مقلقة في سوق التأمين المحلية، التي اتجهت نحو خدمات أشبه بالطفيلية السهلة وقليلة المخاطر، بل أكثر من ذلك كان غياب الخدمة خللا في المشهد الاقتصادي العام، الذي تستحوذ الزراعة على الحصة الأكبر منه، كقطاع إنتاج استهلاكي وتصديري و مواد خام داعمة للقطاع الصناعي.
بدأنا وحسبنا ألا تقف الخطوة الأولى عند مجرد قرار البدء والاحتفال بالقرار والتصريحات الإعلامية الطنانة، كما عودتنا التجارب السابقة، فما سيأتي من خطوات تطبيقية وأخرى متممة هو الأصعب..وهنا حقل الاختبار الحقيقي.
لابأس أن تكون الزراعات المحمية الحلقة الأولى في التجربة الجديدة، فلهذه الزراعات أهمية كبيرة لاعتبارين..الأول: أنها تؤمن كميات كبيرة من احتياجات الاستهلاك، كما أن إنتاجها تصديري في معظمه..والثاني: أن الزراعات المحمية عبارة عن وحدات إنتاج مكثفة في مناطق حيازات صغيرة -تكاد تكون صناعة- وهي عماد معيشة كامل الأسر في مناطق الشريط الساحلي وبعمق يتوسع تباعا نحو الداخل.
لكننا نسأل: لماذا اختصرنا التجربة من بدايتها على قطاع الزراعات المحمية..رغم أنه أولوية كما قلنا..؟
ماذا عن قطاع الثروة الحيوانية الآخذ في التراجع لأسباب كثيرة؟
ألا يمكن أن نطلق الخدمتين معا..التأمين الزراعي والتأمين على المواشي، رغم أن المخاطر في قطاع الإنتاج الحيواني أقل بكثير من سواه، لأنه أقل تأثرا بطوارئ الظروف المناخية ؟
الحقيقة كل قطاع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بات أولوية لجهة إفراد المظلات التأمينية لتقليل مخاطره على المنتج..لكن السؤال الأهم والعريض والصعب هنا هو: من سيكون مقدم الخدمات التأمينية الجديدة بدءا من الزراعات المحمية، ومنها إلى باقي مكونات القطاع الزراعي؟
هل هي المؤسسة السورية للتأمين التي تبدو في متناول يد الحكومة بما أنها الذراع الحكومية الوحيدة في السوق؟
هل ستكون المؤسسة قادرة بمفردها على تحمل العبء؟
ماذا عن ١٦ شركة خاصة تتلطى في زوايا السوق بحثا عن اقتناص الفرص السهلة؟
كيف ستدير هيئة الإشراف على التأمين هذه “المحفظة”، وهل بالفعل تبدو قادرة على فرض حصص من أعباء التأمين الزراعي على الشركات الخاصة؟
سمعنا أقاويل وتصريحات، وكما يقال: الحكي ببلاش..لكن المهم النتائج في إنجاز هذا الملف الذي نعترف أنه صعب، وبصعوبته تزداد المخاوف من تنصل الكثيرين وهروبهم من الاقتراب منه.
ومخاوفنا مشروعة لأننا أمام محاولة ليست الأولى .. ففي العقود الثلاثة الأخيرة عدة محاولات لتوطين التأمين الزراعي ..كلها فشلت، ونرجو أن يكون النجاح حليف المحاولة الراهنة، لكن ذلك يحتاج إلى متابعة من قبل الجهة التي اتخذت القرار وهي رئاسة مجلس الوزراء، ويجب أن تتضمن جلسة واحدة من جلسات المجلس كل شهر بندا بعنوان ” متابعة إنجاز ملف التأمين الزراعي” وإلا لن ينجز أبدا..